كتاب " خرفان المولى " ، تأليف ياسمينة خضرا ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
قراءة كتاب خرفان المولى
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
خرفان المولى
ماذا يعني أن أقبل وَضْعي وأتحمّل تبعاته؟
غمغم قادة:
- أنْ لا تثق بشرطي.
ردّ علال بعصبية:
- طيّب. ابق هنا لتصيد الذباب، وانتظر رب العالمين كي يبعث إليك جبريل يهدهدك بجناحيه.
ارتفع صوت المؤذّن. سحق قادة سيجارته على صخرة بحركة آلية، نفض الغبار عن ثيابه وتدحرج عبر الدرب. سأله علال:
- سنلتقي بعد الصلاة؟
- ربّما.
- اللقاء عندي في البيت.
قام قادة بحركة مبهمة واختفى وراء الأشجار.
ارتفع الليل في الأفق، أشبه بعاصفة. بعد لحظات قليلة، سيبتلع القرية، الجبل، العالم بأسره. بعيداً، بدت المنازل المتناثرة كما أشجار "نوال". حاولت نسمة التخفيف من القيظ الضاغط على الغابة المتعبة. تُسمع طقطقاتها على الأغصان، وحشرجتها في عمق الحشائش. استأنفت كلاب القرية نباحها كي تعرف موضعها في الدجى الصاعد، والهضبة، بعد أن اكفهرت قليلاً، داهمها صرير الغابة.
قال علال مقترحاً:
- لدي قنينة خمر في المنزل.
حرّك جعفر رأسه. أطلق قهقهة، مُختصرة وعصبية. بعد تأمل طويل، صفّق بيديه فجأة.
- ما رأيك لو نذهب عند مامي العاهرة؟
- سيارتي معطلة.
- سنأخذ تاكسي.
- والعودة؟ لقد وعدت قادة بأنني سأنْتظره في البيت.
- قد لا يأتي.
- لا، سوف يأتي.
أمسك جعفر صديقه من المعصم مُتوسلاً:
- إن إجازتك على وشك الانتهاء. وأنت تعلم بأنني عاجز عن مواجهة عاهرة إن لم تكن حاضراً معي.
- ليس هذا المساء. ثمّ إن مامي لا تستقبل إلا بموعد سابق.
أرخى جعفر ضغطه. انتابه الضجر من جديد.
يقع منزل علال سيدهم عند مخرج القرية، مختبئاً داخل تين الصبار. إنه كوخ ذو واجهات خربة، وباب حديدي ثقيل وفناء مهمل يضيئه مصباح عمومي شحيح. يعيش علال مع أمّه، أرملة منسحبة، وأختيه اللتين ذبلتا منذ زمن بعيد.
استقر الصديقان في غرفة، أحدهما على مقعد مبطن، والآخر على طابوري. تجتهد ستائر ناحلة اللون للتقليل من قبح الجدران، فيما تجد لمبة عارية صعوبة في بث ضوئها عبر غائط الذباب الذي يغلفها. على طاولة سرير بسيطة، يوجد إطار به صورة علال، ببذلة أعوان الأمن، في وقفة عسكرية. ثبّت جعفر بصره لحظة على الصورة قبل أن يقلبها بحركة يد غريبة. انتبه الشرطي إلى تلك الحركة المريبة.