كتاب " خرفان المولى " ، تأليف ياسمينة خضرا ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
قراءة كتاب خرفان المولى
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
خرفان المولى
قال العجوز:
- باه... إن الناس ليسوا شِرّيرين إلى هذا الحدّ. البؤس هو الشرّ الحقيقي. لم يظلم أبوك ولو ذبابة واحدة. أتَذكّر جيداً أنه كان يتدخل دائماً لإيجاد عملٍ ما لفلاح طُرد من عمله. وما أكثرهم في تلك الفترة. للأسَف الشديد، لا يميل الناس إلى استحضار إلا ما يناسبهم.
- كان عليّ أنْ أشكرك.
- ها قد فعلت. واعتبر المسألة منتهية.
رفع الحاج موريس عينيه وتابع تحليق زوج من العصافير. بعيداً، تستبسل غيوم رثّة للابتعاد عن قمة الجبل، دائماً بيضاء وغير مفيدة. على سفح الهضبة، يرعى قطيع غنم في التراب، فيما غَفا راعٍ شاب على صخرة، وقد أنهكه القيظ.
حطّ تاج كأسه عندما رأى أباه يصعد الزقاق بخطى سَريعة وهو يلوّح بمفتاح في يده.
- وجَدته... وجَدته...
مَرّ قُرب ابنه، لاهثاً، محموماً، جاحظ العينين من فرط فرح عبثي، ساطعاً كما الخلاص. أدار الحاج موريس رأسه اتقاءً للحرج. التحق تاج بورشته، نظّم أدواته وشغّل مخرطة في عمق المَرْأب. فجأة، عبّرت حركاته عن غضب أصمّ. باغته جعفر عند الظهر:
- قل لي أيها الميكانيكي، هل عَربتنا جاهزة؟
استدار تاج بخفة. خلف جعفر، وقف علال الشرطي وقادة المعلم فأشارا له بحركة يد.
- لقد صلّحتها.
سأل الشرطي.
- ما بِها ؟
- وجدت المفحّم متّسخاً.
- كم أدفع لك؟
- لا شيء. خدمة الأصدقاء عندي متعة.
أصرّ علال على دس ورقة نقدية داخل الجيب. انتهى الميكانيكي أخيراً إلى قبول الورقة. أمْسَك قادة من الذراع، أبعده خلسة عن الآخرين وأسرّ له:
- الشيخ عباس خرج من السجن هذا الصباح.
- إنني على علم... نحن ذاهبون إلى المدينة. هل تحتاج شيئاً؟
فكّر الميكانيكي:
- إذا ذهبت إلى المسجد الكبير، حاول أن تجلب لي الكتاب الذي حدّثتك عنه.
ارتفع هدير المحرّك. عبّر جعفر الجالس بقرب علال السائق عن سروره بصيحة خانقة. ارتمى قادة على المقعد الخلفي.
عند مخرج القرية، وقف جلول المجنون بثبات عندما رأى اقتراب سيارة البيجو ووضع يده على صدغه في تحية عسكرية. تسلقت السيارة مرتفعاً ثمّ تدحرجت عبر الطريق الترابي، مُخلّفةً وراءها وشاحاً واسعاً من الغبار. مرّت قرب منزل رئيس البلدية. كانت سارة جالسة في الحديقة برفقة أمها. التفت الأصدقاء الثلاثة دفعة واحدة نحو الفتاة، ولكن نظرتها اللازوردية اختارت أن تضيء نظرة الشرطي. ارتعدت فرائص الفتيان الثلاثة، كل من جهته، دون أن يجرؤ أحدهم على التفوه بكلمة من شأنها خيانة عمق تفكيرهم.;