كتاب " سجاد عجمي " ، تأليف شهلا العجيلي ، والذي صدر عن منشورات الضفاف للنشر والتوزيع ، نقرأ من
You are here
قراءة كتاب سجاد عجمي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
حوّلت لبانة نظرها نحو الشرفة، فأضاءت عينيها المشاعلُ المزروعة على جانبـي الجسر في الطريق الممتدّة أمام النـزل، وبدت تجاهد دموعها:
- هذه أوّل مرّة أرى الرقّة، وأمّي ليست في الدنيا، غادرتُ دير زكّا بعد وفاتها بقليل.
- رحمها الله، كلّنا ميّتون! هيّا خبّريني أنت عن أحوالك، وإن بدوتِ على خير ما يرام!
- حمداً لله! لاشكّ في أنّ خبر زواجي لم يخْفَ على أحد في الرقّة، فحينما كنت أدرس النسْخ والترجمة في دير زكّا، أحببتُ العالم الذي وفد إلينا من بغداد، وتزوّجته، ورحلت معه، وهناك أنجبتُ قيساً. كنتُ سعيدة جدّاً، وكان رجلاً من درر الرجال، علماً، وديناً، وخُلقاً، وقد ذاع صيته في بغداد، فأوفده الخليفة إلى خراسان، ليقيم مكتبة هناك على شاكلة مكتبة بغداد، فسافر، وانقطعت عنّا أخباره، مرّ على غيابه سنوات أربع، وبقيت على أمل عودته، لكنّ أخباراً وصلت بأنّ المقام طاب له هناك، فبنى بامرأة خراسانيّة، بل يقول بعضهم هي ابنة الوالي، والله أعلم!
بقيت أعمل هناك في النسخ، سوق الوراقة عامرة في بغداد، وجمعت مالاً كثيراً، لكنّ الغربة قتلتني، فقد تركت وطني من أجل الرجل، والرجل غاب، ولم يعد لي سبب للبقاء، ومتاعي ليس بالثقيل: قيس، وبعض الكتب، حملتهم معي، وركبت إلى هنا.
غداً، إن شاء الله، أذهب إلى دير زكّا، فأقيم مع أبـي أيّاماً، لقد أوحشني كثيراً، ثمّ سأعود إلى هنا، لأبدأ العمل، وأنظر فيما سيقدّر الله لي أن أفعل.
مع نهاية الحديث، كان جسر من الألفة قد مُدَّ بين المرأتين، محبوبة التي اعتادت سماع حكايات الناس، ولبانة التي بدأت السطر الأوّل في حكايتها.