كتاب " نعم تستطيع ! المسؤولية الاجتماعية والتغيير " ، تأليف د. أوسم وصفي ، والذي صدر عن دار أوفير للطباعة والنشر .
You are here
قراءة كتاب نعم تستطيع ! المسؤولية الاجتماعية والتغيير
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

نعم تستطيع ! المسؤولية الاجتماعية والتغيير
الامتلاك
الحقيقةُ التي ينبغي أن تؤمن بها أنت هي أنَّك تستطيع، بل تحتاجُ لأن تُغَيِّر ما حولَك ليكتملَ شعورُك بالهُوِيَّة الإنسانيَّة.
ما الذي حدث؟ ما الذي حوَّل هؤلاء الشباب إلى أشخاصٍ مُهتمِّين بنَظافة شوارعهم بعدَ أنْ كانوا يفعَلون عكسَ ذلك؟ ما الذي فعلَتْه هذه الثَّورة الشعبيَّة بهم؟ لقد شعرَ المصريُّون والتونُسيُّون شعورًا عميقًا غيرَ مسبوقٍ بالامتلاك لبلادهم؛ لأنَّهم استَطاعوا تغييرها. إنَّ ما تستطيعُ تَغييره تشعرُ بامتلاكه. والعلامةُ الأساسيَّةُ لامتلاكِكَ أيَّ شيء هو أن تشعُرَ بالحرِّيَّة، أو تكونَ قادرًا على إجراء التَّغييرات التي تريدُها في ذلك الشيء. إذا أهداكَ شخصٌ ما هديَّةً بِشَرط ألَّا تُجرِي فيها أيَّ تغيير، فأنتَ لا تشعُرُ بامتلاكها. إنَّ من أكثر الأمور التي تجعلُنا غير مُقبِلين على الانخراط في مجتمعاتنا وتغييرها هو أنَّنا لا نشعرُ بامتلاكها. ونحن لا نشعُرُ بامتِلاكها لأنَّنا غيرُ قادرين على تغييرها، وهكذا تَنشَأ دائرةٌ مُفرَغةٌ من السلبيَّة واللَّامُبالاة في المجتمع. وثورة الشباب هي ما كسر هذه الدائرةَ المفرَغةَ، ولم تكسرْها فقط، بل عكستها أيضًا صانعةً دائرةً جديدةً من الامتلاك والرغبة في التغيير.
يبدأُ الإصلاح (ولا أعني الإصلاح السياسيَّ فقط، بل الإصلاحُ الفكريُّ أيضًا) عندما نصدِّقُ أنَّ الشعورَ بِعَدم القدرة على التغيير هو شعورٌ كاذِبٌ يَفرِضُه الآخرون علينا عندما يقمَعوننا ويسيطرون علينا، كما نفرِضُه نحن على أنفسنا عندما نركنُ إلى السلبيَّة والسكون. إنَّ الإنسانَ بطبيعته كائنٌ مخلوقٌ ليَسودَ ويتسلَّطَ على بيئته ويُغيِّرَها. وإذا لم يفعَلْ ذلك فهو عندئذٍ يعيشُ على مستوًى أقلَّ من طبيعته وفطرته، وأقلَّ ممَّا أراده الله له.
إنَّ عهدَ الخليقة (Creation Covenant) الذي قَطَعَه الله مع الإنسان عندَما خلقَه هو أن يُخضِعَ الأرضَ ويتسلَّط عليها (تكوين 1: 28).
وعدم قُدرتِنا على التغيير هو وَهْمٌ كبيرٌ صنعَه الكسلُ والخوف واحتقار البدايات البسيطة. فنِقاطُ المطر الصغيرةُ تكوِّنُ أنهارًا قادرةً على شقِّ بُطون الجبال، كما تُساهم في نشوء الحضارات على ضِفافِها. ولعلَّ أروعَ ما اكتشفَه الشعبان المصريُّ والتونسيُّ في ربيع العرب (2011م) هو أنَّ الفردَ الواحدَ الذي يَظنُّ أنَّه قَطرةٌ في محيط، هو قادرٌ أن يشكِّلَ مع الآخرين طوفانًا يقف ضدَّ الظلم والاستبداد ويهزمه، وذلك عندما يُغامِرُ ويهزمُ كسلَه وخوفَه ويُقرِّرُ أن يخرج. الحقيقةُ التي ينبغي أن تؤمن بها أنت هي أنَّك تستطيع أن تُغَيِّر، بل تحتاجُ لأن تُغَيِّر ما حولَك ليكتملَ شعورُك بالهُوِيَّة الإنسانيَّة.
‘‘تكمُنُ في البذرةِ شجرةٌ كبيرةٌ جميلةٌ تنتظرُكَ لكي تزرعَها فتُظلِّلَ بيتك’’.
‘‘تقفُ الألوانُ منتظرةً إيَّاك لكي تحوِّلَها إلى لوحةٍ جميلة تزيِّنُ بها جدارك’’.
‘‘القروشُ القليلةُ مُلقاةٌ في أدراجِكَ وأدراج زملائِكَ تنتظرُ مَن يجمعُها ويوجِّهُها لمساعدة الفقراء، أو للتبرُّع بها لعمل اجتماعيٍّ كبير يُفيدُ الكثيرين’’.
‘‘ينتظرُك مئاتُ الأمِّيِّين في القرى أو الأحياء الشعبيَّة المجاورة لكي تُعلِّمَهم القراءةَ والكتابة، ومن ثَمَّ تنخفضُ نسبةُ الأمِّيَّة بين أبناء شعبكَ، فلا يستطيع أحدٌ أن يُضلِّلَهم أو يستغلَّهم’’.
‘‘يمكنُ لصَوتِك الانتخابيِّ مع أصواتِ آخرين أن يُغيِّر الحكوماتِ ويرسمَ مستقبلَ بلدك’’.
إنَّ كلَّ هذه الأشياء تبدو بسيطةً؛ لكنَّها عندما تجتمعُ معًا فهي تصنعُ وتُغيِّر. وعندما تستطيعُ أن تُغيِّر ما حولَك فأنتَ تشعرُ بامتلاكه، وعندما تشعرُ بهذا الامتلاك يَزدادُ حماسُك للتَّغيير.