You are here

قراءة كتاب نعم تستطيع ! المسؤولية الاجتماعية والتغيير

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
نعم تستطيع ! المسؤولية الاجتماعية والتغيير

نعم تستطيع ! المسؤولية الاجتماعية والتغيير

كتاب " نعم تستطيع ! المسؤولية الاجتماعية والتغيير " ، تأليف د. أوسم وصفي ، والذي صدر عن دار أوفير للطباعة والنشر .

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 8

ملكوتُ الله

تعكسُ هذه الأبعادُ الثلاثةُ للإنجيل التي أشَرْتُ إليها طبيعتَين رئيستَين لملكوت الله[3]: الطبيعة الحاضرة والطبيعة المستقبليَّة. وقد تحقَّقَتْ هاتان الطبيعتان في ميلاد السيِّد المسيح وحياته وتعليمه وموته وقيامته. فبِميلاد السيِّد المسيح، اقترَبَ ملكوتُ الله من الإنسان وصارَ يسوعُ نفسُه هو ملكوتَ الله جسديًّا. وبحياة السيِّد المسيح وتعليمه، دخلَ ملكوتُ الله حياةَ الإنسانِ اليوميَّةَ، والتحدِّياتِ بما فيها من حُزنٍ وخَوفٍ وجوع وفقرٍ وقهرٍ سياسيٍّ واجتماعيّ. وبموته وقيامته وحلول الروح القدس على المؤمنين بالسيِّد المسيح وسُكناه فيهم، صارَ ملكوتُ الله داخلَ الإنسان. وهذا ما أشارَ إليه السيِّدُ المسيح في أحَدِ المواقف الواردة في إنجيل لوقا:

‘‘ولمَّا سألَهُ الفَرِّيسيُّون: "متى يأْتِي ملكُوتُ الله؟" أجابهُمْ وقال: "لا يأْتِي ملكُوتُ اللهِ بِمُراقبة، ولا يقولُون: هُوذا هَهُنا، أو: هُوذا هُناك! لأنْ ها مَلكوتُ الله داخِلكُمْ’’ (لوقا 17: 20-21).

هذا الملكوتُ الذي أتى بالفعل هو أيضًا الملكوتُ الذي سيَأتي بشكلٍ كاملٍ في اليوم الأخير لكي يملكَ الله ليس فقط على قلوب المؤمنين به، بل على كلِّ الأرضِ ومَن عليها.[4] وقد أشارَ السيِّدُ المسيح إلى هذا أيضًا عندما قال:

‘‘فإنَّ ابنَ الإنسانِ سوفَ يأتي في مَجْدِ أبيه مع مَلائكَتِه، وحينئِذٍ يُجازِي كُلَّ واحدٍ حَسَبَ عَمَلِه’’ (متَّى 16: 27).

وقد كان اليهودُ المعاصرون للسيِّد المسيح يؤمنون بالملكوتِ الآتي، وكان بعضُهم حتَّى يَعمَلُ على تحقيقه بالقوَّة من خلال الحكم الثيوقراطيِّ (الدينيّ)، وعبر حركاتٍ يهوديَّةٍ سياسيَّةٍ مختلفة، مثل حركة الغيورين، التي هي أنموذجٌ للحركات الدينيَّة التي تتبنَّى العنفَ بصفةٍ عامَّة، وحركة الأسينيِّين والقمرانيِّين (نسبةً إلى وادي قُمران في الأردنّ)، والتي تُماثِلُ الجماعات الدينيَّة التي تتبنَّى الانفصالَ السلبيَّ عنِ المجتمع. والفرقُ الأساسيُّ الذي تميَّز به تعليمُ السيِّد المسيح عن كلِّ مُعاصِريه هو أنَّه كان يَكرزُ بأنَّ ملكوتَ الله قد أتى بالفِعْل وأنَّ خدمتَه نفسَها هي تحقيقٌ لِوَعد الله بمجيء هذا الملكوت، وعندما قرأ إشَعْياء 61 (لوقا 4) قال إنَّ هذا المكتوبَ قد تحقَّق فعلًا، وعندما أرسَلَ إليه يوحنَّا المعمدان يَتَساءل إنْ كان هو الآتي (المسيَّا) أم ننتظرُ آخرَ (متَّى 11)، ردَّ على تلميذَي يوحنَّا المرسَلَين باقتباس النبوَّة التي في إشَعْياء 35 والقائلة: ‘‘تفرَحُ البرِّيَّةُ والأرضُ اليابسة، ويَبْتَهجُ القفرُ ويُزْهرُ كالنَّرجس. يزهِرُ إزهارًا ويبتهجُ ابتهاجًا ويُرنِّمُ. يُدفَعُ إليه مجدُ لُبنانَ. بَهاءُ كرمَلَ وشارونَ. هم يَرَوْنَ مجدَ الرَّبّ، بهاءَ إلهنا. شَدِّدوا الأياديَ المستَرْخية، والرُّكبَ المرتَعِشَة ثَبِّتُوهَا. قولوا لخَائِفِي القُلوب: "تَشدَّدُوا لا تَخافُوا. هُوَذَا إلهكُم. الانتقامُ يَأتي. جِزَاءُ الله. هو يأتي ويخلِّصُكُم"’’.

وعندما اتَّهمه اليهودُ بأنَّه يُخرِجُ الشَّياطين بِبعلزبول قال: ‘‘إنْ كُنتُ بأصْبعِ اللهِ أُخْرِجُ الشَّياطينَ، فَقَدْ أقبَلَ عليكم مَلَكوتُ الله’’ (لوقا 11: 20). لقد كان إخراجُ يسوعَ للشَّياطين بكلمةِ الأمر دليلٌ على أنَّ ملكوتَ الله قد أقبَلَ على الأرض. في الملكوتِ الآتي، سيُدمِّرُ الله الشيطانَ تمامًا. ولكنْ عندما جاء يسوع، أعلَنَ أنَّ ملكوتَ الله قد جاء لِيَربطَ الشريرَ ويخلِّصَ مِن قبضته مَن يؤمِنُ بالسيِّد المسيح. لقد صار الشيطانُ مَربوطًا، ولكنَّه لا يزالُ يعمَل. وربَّما هذا ما قصده أحدُ اللَّاهوتيِّين عندما قال إنَّ الشيطانَ مَربوط، ولكنْ بحبلٍ طويلٍ يسمَحُ له ببعضِ الحركة. وتوصَفُ الحالُ أيضًا بالصُّورة العسكريَّة. فقد رَبِحَ السيِّدُ المسيح المعركةَ الأساسيَّة، غير أنَّ الحربَ لَم تنتهِ بعدُ، إذ ما زالَ العدوُّ ‘‘يقاوِم’’ ولكنَّه مَهزومٌ في النهاية.

Pages