الروايتان " السعادة الزوجية وبوليكوشكا " ، تأليف ليو تولستوي ، اصدار
You are here
قراءة كتاب السعادة الزوجية وبوليكوشكا
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 6
ونهضت لأمضي أبدل ثيابي، ولكن سرجي ميخائيلوفتش دخل الشرفة لحظة كنت أقطع العتبة. فقال وهو يبتسم لمرأى رأسي المعصوب بمنديل:
- أكلفة واحتفال ونحن في البرية؟ أتتحرَّجين من جريجوار؟... هل أنا بالنسبة إليك إلا جريجواراً آخر؟
وفي تلك اللحظة بعينها بدا لي أنه كان لا ينظر اليَّ كما كان يمكن أن ينظر إليَّ جريجوار، فشعرت من ذلك بارتباك.
قلت وأنا أبتعد:
- سأرجع حالاً.
فصاح يسأل:
- ما مأخذك على هذه الثياب؟ إنك تشبهين بها فلاحة فتية!
قلت أحدّث نفسي وأنا أبدل ملابسي في غرفتي بسرعة: «ما كان أغرب نظرته اليَّ! الحمد لله على أنه جاء أخيراً، فلن نضجر بعد الآن!». ونظرت الى نفسي في المرآة، ثم هبطت الدرج راكضة ركضاً سريعاً، لاهثةً لهاثاً شديداً، من دون أن أخفي تعجّلي، ورجعت الى الشرفة.. كان سرجي ميخائيلوفتش جالساً أمام المائدة يكلم كاتيا عن شؤوننا المالية. فلما رآني ابتسم، ولكنه لم يتوقف عن الكلام. كان في رأيه أن أمورنا المالية على خير حال. وإنما ينبغي لنا أن نقضي الصيف في الريف، ثم نستطيع بعد ذلك أن نسافر الى بطرسبرغ لدراسة صونيا، أو أن نسافر الى الخارج.
قالت كاتيا:
- ليتك تستطيع أن تصحبنا الى الخارج. فإننا إذا كنا وحدنا، نضيع هناك كما يضيع المرء في غابة.
أجاب سرجي ميخائيلوفتش يقول نصف جادٍ ونصف هازل:
- آ... ما أعظم ما يكون فرحي بأن أدور حول العالم معكن...
هتفت أقول:
- لا بأس... فلندر حول العالم!
- وأمي؟... والأعمال؟ دعينا من هذا على كل حال، وحدثيني كيف قضيت وقتك؟ هل ألمَّ بك الضجر أيضاً؟
فلما ذكرت له أنني، أثناء غيابه، قد أكببت على العمل ولم أشعر بسأم، وهذا ما أسرعت تؤكده كاتيا، أثنى عليَّ بالكلام والنظرة، كأنني طفلة، وكأن من حقه أن يعاملني معاملة طفلة. وقد رأيت أن عليَّ أن أحدثه بتفصيل دقيق وصراحة كاملة، عن كل ما عملته من أشياء جيدة، وأن أعترف له أيضاً بكل ما قد لا يرضى عنه. وكانت العشية جميلة رائعة، فلم نقم حين انتهت فترة الشاي، بل بقينا جالسين على الشرفة، وبدا لي الحديث شائقاً جداً فلم أتنبه الى الصمت الذي كان يتكاثف حولنا ويطبق علينا. وكان أريج الأزهار يزداد حلاوة فنزداد سكراً، وكان الندى يتلألأ على العشب، وغير بعيد منا غنى عندليب على أجمة من أشجار الليلك، ثم صمت لسماعه ضجة أصواتنا، وكانت السماء الزاهية بالنجوم تبدو كأنها هبطت إلينا.
ولم ألاحظ أن الليل قد أحدق بنا إلا حين غار وطواط تحت طنف الشرفة بغير ضجة، وتخبط حول منديلي الأبيض، فاستندت الى الحائط أهم أن أصرخ، ولكن الوطواط غاب ثانية في ظلام الحديقة صامتاً سريعاً.
فقال سرجي ميخائيلوفتش مقاطعاً نفسه:
- كم أحب قريتكم بوكروفسكويا هذه! إنني أستطيع أن أبقى جالساً على هذه الشرفة حياتي كلها.
قالت كاتيا:
- فما يمنعك أن تبقى؟
وعاد يتكلم فقال:
- نعم، أن أبقى. الحياة لا «تبقى».
سألته كاتيا:
- لماذا لا تتزوج؟ لو تزوجت لكنت زوجاً كاملاً.
فقال متضاحكاً:
- لأنني أحب أن «أبقى قاعداً». لا، يا كاترين كارلوفنا، لا أنا ولا أنت نصلح الآن للزواج. منذ مدة طويلة أصبح الناس لا يرون أنني رجل يصلح لأن يتزوج، وقد عدلت أنا عن الزواج منذ مدة أطول أيضاً، وأؤكد لك أنني من ذلك في صحة أحسن وعافية أكمل.
بدا لي أنه يتكلم بمرح مصطنع.
قالت كاتيا:
- دعك من هذا الكلام! أتكف عن الحياة وأنت في السادسة والثلاثين من عمرك؟