هذه الدراسة عبارة عن دراسة تأصيلية لمكانة النساء في العقائد اليهمسلامية. حيث اعتمدت على "التناخ" والعهد الجديد والقرآن، ثم على الآداب الكلاسيكية الأخرى، التي من شأنها أن توضح ما بَهُم في المصادر الأولية. ولن نعتمد إلا بالقليل على المراجع المعاصرة.
أنت هنا
قراءة كتاب مكانة النساء في العقائد اليهمسلامية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 3
بالطبع، من حقّ كل من يقرأ هذا البحث أن يسأل لماذا استخدمت الاسم العبري: "التناخ"، في السياق اليهودي، والعهد القديم في السياق المسيحي، وليس العهد القديم والتوراة كما هو دارج في الأدبيات العربية؟ وجوابي هو: "التناخ"، هو الكتاب المقدس لدى اليهود. ويدعى بالعبرية: توره نِبِئيم كِتوبيم ، ويقرأ باختصار: ت. ن. ك/ تناخ. وقد كتبناه بصيغته العبرية ولم أقم بترجمته إلى العربية (العهد القديم)، كي نفرق ونميّز بين "التناخ" اليهودي، والعهد القديم المسيحي. فـ"التناخ" هو الكتاب المقدس كما يتبناه ويفهمه اليهود وفقا لمعتقداتهم وأيديولوجيتهم، وكما جاء في الآداب الأخرى كالتفاسير والتلمودين وأعمال الفقهاء اليهود على مرّ العصور كافة. أما العهد القديم فهو ترجمة "التناخ" كما يقبلها ويفهمها المسيحيون، لأن "التناخ" وفقا لمعتقدات المسيحيين الذي أصبح عندهم العهد القديم، جاء ليبشر بيسوع المسيح بن مريم، وفعلا جاء بالعهد الجديد الذي يتمم نبوءات العهد القديم، ثم صلِب، وها هم الآن ينتظرون عودته. أما اليهود فينتظرون مجيء "المشيح"، الذي هو ليس المسيح كما يؤمن به المسيحيون والمسلمون.
يتساءل البعض عن توجه كل من أتباع الديانات الثلاث إلى كتبهم المقدسة، فنقول: يؤمن المسلمون بأن القرآن "منزل من عند الله"، (إلا أن فئة قليلة وهي المعتزلة تعتبر القرآن "مخلوقا" وهذه المسألة كلامية في غاية التعقيد والحساسية). أما اليهود والمسيحيون فيؤمنون بأن "التناخ" والعهد الجديد "موحى بهما من الله"، وليس منزليّن مباشرة منه. أي أن كتبة الأسفار المختلفة يؤمنون بأن الوحي أوحى إليهم بما كتبوه. فمكانة كل كتاب لأتباع كلّ ديانة، شبيهة ومساوية لمكانة الكتابين لدى أتباع الديانتين الأخريين: فـ"التناخ" مقدس لدى اليهود، والعهدان الجديد والقديم كتاب واحد مقدس لدى المسيحيين، والقرآن مقدس لدى المسلمين.
وعليه، فإن الدراسة التي بين أيدينا هي دراسة فكرية، ولا تجيب عن أي سؤال حول مكانة النساء في الواقع المُعاش، بل يجب أن توجّه هذه الأسئلة إلى علمَي الاجتماع والسياسة، لفهم مكانتهن بدقة وموضوعية. فهذه الدراسة لا تجيب عن أي سؤال من هذه الأسئلة، ولذلك يتوجب توجيه الأسئلة والأبحاث إلى علوم السياسة والمجتمع لتشخيص مكانة النساء في الواقع المُعاش وفهما، وكذلك إلى دراسات علم الإنسان/ الأنثروبولوجيا لفهم علاقة العقائد والشرائع الدينية بمكانة النساء في عصرنا الراهن.
قد يعتقد البعض أن البحث يفضّل الإسلام على اليهودية والمسيحية، إلا أن الأمر ليس كذلك قطعا؛ فتحسن مكانة النساء في العقيدة والشريعة في الإسلام مقارنة بمكانتها في اليهودية والمسيحية، ما هو إلا تأكيدٌ لما أتينا إليه من قول في بداية المقدمة: إن تطبيقاتها وفقه الأديان إنما هي نتاج إنساني بامتياز، نتاج الوعي الجمعي لمجموعة معينة من الناس والمجتمعات. فالإسلام المتأخر عن اليهودية بعشرين قرنًا وعن المسيحية بستة قرون، هو نتاج التطور الاجتماعي والمجتمعي لمجتمع شبه الجزيرة العربية في حينه، مقارنة لما كانت عليه البيئتان التي نشأت كل من اليهودية والمسيحية فيهما. وعليه، تغيرت وتطورت مكانة النساء فيه، وما اختلاف/ تحسن مكانتهن في العقيدة والشريعة في الإسلامية إلا تعبيرٌ عن التغير الحاصل في مجمل علاقات مركبات المجتمع العربي في شبه جزيرة العرب.