هذه الدراسة عبارة عن دراسة تأصيلية لمكانة النساء في العقائد اليهمسلامية. حيث اعتمدت على "التناخ" والعهد الجديد والقرآن، ثم على الآداب الكلاسيكية الأخرى، التي من شأنها أن توضح ما بَهُم في المصادر الأولية. ولن نعتمد إلا بالقليل على المراجع المعاصرة.
أنت هنا
قراءة كتاب مكانة النساء في العقائد اليهمسلامية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 8
2. 2- يسوع: النساء مساويات للرجال
لا ترد على لسانه كلمة واحدة عن قبوله أو رفضه قصة الخليقة، لأن شغله الشاغل كان اجتماعيا. أي تحدي المكوّن الاجتماعي الطبقي الظالم للفقراء والمُعْدَمين والعبيد والنساء. وفي الحقيقة لا نسمع تصريحات فكرية كثيرة على لسانه. وكل ما نقرؤه في الأناجيل هو نوادر وأحداث ميدانية، عبّر عن أفكاره بواسطتها. وفي هذا المقام سنعرض بعض الأحداث والنوادر التي تلعب النساء دورا فيها، وموقف يسوع منها.
الأولى- تحريم الزنا والتحرش الجنسي- قال: "قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَزْنِ . وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى امْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا، فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ. فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ الْيُمْنَى تُعْثِرُكَ فَاقْلَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ، لأَنَّهُ خَيْرٌ لَكَ أَنْ يَهْلِكَ أَحَدُ أَعْضَائِكَ وَلاَ يُلْقَى جَسَدُكَ كُلُّهُ فِي جَهَنَّمَ. وَإِنْ كَانَتْ يَدُكَ الْيُمْنَى تُعْثِرُكَ فَاقْطَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ، لأَنَّهُ خَيْرٌ لَكَ أَنْ يَهْلِكَ أَحَدُ أَعْضَائِكَ وَلاَ يُلْقَى جَسَدُكَ كُلُّهُ فِي جَهَنَّمَ" (متى 5: 27- 30). نراه هنا يوسع دائرة الزنا لتشمل التحرش الذي يبدأ بالنظرة الشهوانية. ومعنى هذا واضح: تحريم التحرش بأبسط مستوياته، وهذا يعني (أيضًا) تحريم امتهان كرامة المرأة، بل احترامها.
الثانية- تحريم الطلاق- قال: "وَقِيلَ: مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَلْيُعْطِهَا كِتَابَ طَلاَقٍ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إلاَّ لِعِلَّةِ الزِّنَا يَجْعَلُهَا تَزْنِي، وَمَنْ يَتَزَوَّجُ مُطَلَّقَةً فَإِنَّهُ يَزْنِي" (متى 5: 31- 32). لم يكن هذا القول أو الوصيّة، انتقاصًا من حقّ الرجال في الطلاق، والنساء في التطليق، أو إبقاء المرأة في بيت رجل لا يطيقها ولا تطيقه، بل جاء لكثرة حالات الطلاق التعسفية في الحياة اليهودية. فالتلمود، بقسميه البابلي والأورشليمي، يحدثنا عن مئات حالات الطلاق التعسفية التي كانت تمتهن كرامة المرأة وتلقيها في ميادين تحطّ من مكانتها وقدرها، لذا جاء هذا التعليم تحديا لهذا التعسف بالأساس. وقدّ تنبه يسوع إلى هذه الحالة، وبدلا من أن تبقى حالة اجتماعية لها إطارها الشرعي، فإنه بادر إلى تجاوزها بوصية أخلاقية، وحمّل مسؤولية الطلاق (التعسفي) للرجال؛ مرة لأنهم طلقوا نساءهم، ومرة لأنهم تزوجوا نساء مطلقات. وكل ما أراده يسوع من هذه الوصية هو حرمان الرجال من استخدام الامتياز الذي منحتهم إياه الشريعة اليهودية (طلاق النساء)، الذي عادة ما استخدموه تعسفا. فاعتبر الرجل الذي يطلق أو يتزوج مطلقة زانيًا. والملاحظ هنا أنه لم يلق أية مسؤولية على النساء، لأنه كان عليما بالظلم الذي تتعرض إليه في مؤسسة الزواج اليهودية.
الثالثة- شفاء نساء مريضات- جاء: "وَلَمَّا جَاءَ يَسُوعُ إِلَى بَيْتِ بُطْرُسَ، رَأَى حَمَاتَهُ مَطْرُوحَةً وَمَحْمُومَةً، فَلَمَسَ يَدَهَا فَتَرَكَتْهَا الْحُمَّى، فَقَامَتْ وَخَدَمَتْهُمْ. وَلَمَّا صَارَ الْمَسَاءُ قَدَّمُوا إِلَيْهِ مَجَانِينَ كَثِيرِينَ، فَأَخْرَجَ الأَرْوَاحَ بِكَلِمَةٍ، وَجَمِيعَ الْمَرْضَى شَفَاهُمْ، لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِيشعيهو النَّبِيِّ الْقَائِلِ: "هُوَ أَخَذَ أَسْقَامَنَا وَحَمَلَ أَمْرَاضَنَا" (متى 8: 14- 17). وأيضا :"بينمَا هُوَ يُكَلِّمُهُمْ بِهَذَا إِذَا رَئِيسٌ قَدْ جَاءَ فَسَجَدَ لَهُ قَائِلاً: "إِنَّ ابْنَتِي الآنَ مَاتَتْ، لَكِنْ تَعَالَ وَضَعْ يَدَكَ عَلَيْهَا فَتَحْيَا". فَقَامَ يَسُوعُ وَتَبِعَهُ هُوَ وَتَلاَمِيذُهُ. وَإِذَا امْرَأَةٌ نَازِفَةُ دَمٍ مُنْذُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً قَدْ جَاءَتْ مِنْ وَرَائِهِ وَمَسَّتْ هُدْبَ ثَوْبِهِ، لأَنَّهَا قَالَتْ فِي نَفْسِهَا: "إِنْ مَسَسْتُ ثَوْبَهُ فَقَطْ شُفِيتُ". فَالْتَفَتَ يَسُوعُ وَأَبْصَرَهَا، فَقَالَ: "ثِقِي يَا ابْنَةُ، إِيمَانُكِ قَدْ شَفَاكِ". فَشُفِيَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ. وَلَمَّا جَاءَ يَسُوعُ إِلَى بَيْتِ الرَّئِيسِ، وَنَظَرَ الْمُزَمِّرِينَ وَالْجَمْعَ يَضِجُّونَ، قَالَ لَهُمْ: "تَنَحَّوْا، فَإِنَّ الصَّبِيَّةَ لَمْ تَمُتْ لَكِنَّهَا نَائِمَةٌ". فَضَحِكُوا عَلَيْهِ. فَلَمَّا أُخْرِجَ الْجَمْعُ دَخَلَ وَأَمْسَكَ بِيَدِهَا، فَقَامَتِ الصَّبِيَّةُ. فَخَرَجَ ذَلِكَ الْخَبَرُ إِلَى تِلْكَ الأَرْضِ كُلِّهَا. (متى 9: 8- 25). وجاء في أنجيل لوقا أنه أشفى حماة سمعان وآخرين (لوقا 1: 29- 34). وكان شفاء حماة بطرس مباشرة بعد شفاء الأبرص. وكان إحياء الفتاة الميتة قبل إحياء الرجل الميت في نين (يوحنا 11 : 44). سواء قبلنا النصّ بحرفيته أو مجازيته، فإن المعنى واحد: للجميع، الرجال والنساء، خاصة المرضى نفس المكانة في عقيدتي، ولا فضل لرجل على امرأة، أو سليم على مريض.
الرابعة- فلسا الأرملة- وجاء أيضًا: "وَجَلَسَ يَسُوعُ تُجَاهَ الْخِزَانَةِ، وَنَظَرَ كَيْفَ يُلْقِي الْجَمْعُ نُحَاساً فِي الْخِزَانَةِ. وَكَانَ أَغْنِيَاءُ كَثِيرُونَ يُلْقُونَ كَثِيراً. فَجَاءَتْ أَرْمَلَةٌ فَقِيرَةٌ وَأَلْقَتْ فَلْسَيْنِ، قِيمَتُهُمَا رُبْعٌ. فَدَعَا تَلاَمِيذَهُ وَقَالَ لَهُمُ: "الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ هَذِهِ الأَرْمَلَةَ الْفَقِيرَةَ قَدْ أَلْقَتْ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ الَّذِينَ أَلْقَوْا فِي الْخِزَانَةِ، لأَنَّ الْجَمِيعَ مِنْ فَضْلَتِهِمْ أَلْقَوْا. وَأَمَّا هَذِهِ فَمِنْ إِعْوَازِهَا أَلْقَتْ كُلَّ مَا عِنْدَهَا، كُلَّ مَعِيشَتِهَا". (مرقس 12: 41- 44). واضح أنه يفضل المرأة الإنسان لإيمانها وتقواها، وليس لمكانتها الاجتماعية. وقد جاءت مقارنة المرأة الفقيرة بالرجال الأغنياء، تأكيدا على أن جوهر عقيدته، هو الإيمان والتقوى المناقضتان للغنى والأغنياء.
الخامسة- يسوع يظهر لمريم المجدلية- وجاء أيضا: "وَبَعْدَمَا قَامَ بَاكِراً فِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ ظَهَرَ أَوَّلاً لِمَرْيَمَ الْمَجْدَلِيَّةِ، الَّتِي كَانَ قَدْ أَخْرَجَ مِنْهَا سَبْعَةَ شَيَاطِينَ. فَذَهَبَتْ هَذِهِ وَأَخْبَرَتِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ وَهُمْ يَنُوحُونَ وَيَبْكُونَ. فَلَمَّا سَمِعَ أُولَئِكَ أَنَّهُ حَيٌّ، وَقَدْ نَظَرَتْهُ، لَمْ يُصَدِّقُوا"(مرقس 16: 9- 11). بعد صلبه ودفنه قام يسوع وظهر لامرأة أولا، وليس لأحد من تلاميذه. والمعنى واضح: للنساء أيضًا مكانة مفضلة في العقيدة المسيحية. نذكر أن مريم المجدلية التي كانت "تحفّ شعر النساء" (التلمود البابلي، مَسِخِت شبت 12، ورقة ق. د، صفحة ب)، كانت إحدى النساء الأثيرات إلى قلب يسوع، وهي إحدى النساء اللواتي موّلن حملته الاجتماعية الدعوية.
السادسة- يغفر لامرأة خاطئة- وجاء أيضًا: "وَسَأَلَهُ وَاحِدٌ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَهُ، فَدَخَلَ بَيْتَ الْفَرِّيسِيِّ وَاتَّكَأَ. وَإِذَا امْرَأَةٌ فِي الْمَدِينَةِ كَانَتْ خَاطِئَةً، إِذْ عَلِمَتْ أَنَّهُ مُتَّكِئٌ فِي بَيْتِ الْفَرِّيسِيِّ، جَاءَتْ بِقَارُورَةِ طِيبٍ وَوَقَفَتْ عِنْدَ قَدَمَيْهِ مِنْ وَرَائِهِ بَاكِيَةً، وَابْتَدَأَتْ تَبُلُّ قَدَمَيْهِ بِالدُّمُوعِ، وَكَانَتْ تَمْسَحُهُمَا بِشَعْرِ رَأْسِهَا، وَتُقَبِّلُ قَدَمَيْهِ وَتَدْهَنُهُمَا بِالطِّيبِ. فَلَمَّا رَأَى الْفَرِّيسِيُّ الَّذِي دَعَاهُ ذَلِكَ، تَكَلَّمَ فِي نَفْسِهِ قَائِلاً: "لَوْ كَانَ هَذَا نَبِيّاً، لَعَلِمَ مَنْ هَذِهِ المرأة الَّتِي تَلْمِسُهُ وَمَا هِيَ! إِنَّهَا خَاطِئِةٌ". َأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: "يَا سِمْعَانُ، عِنْدِي شَيْءٌ أَقُولُهُ لَكَ". فَقَالَ: "قُلْ، يَا مُعَلِّمُ". "كَانَ لِمُدَايِنٍ مَدْيُونَانِ. عَلَى الْوَاحِدِ خَمْسُمِئَةِ دِينَارٍ وَعَلَى الآخَرِ خَمْسُونَ. وَإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَا يُوفِيَانِ سَامَحَهُمَا جَمِيعاً. فَقُلْ: أَيُّهُمَا يَكُونُ أَكْثَرَ حُبّاً لَهُ؟" فَأَجَابَ سِمْعَانُ وَقَالَ: "أَظُنُّ الَّذِي سَامَحَهُ بِالأَكْثَرِ". فَقَالَ لَهُ: "بِالصَّوَابِ حَكَمْتَ". ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الْمَرْأَةِ وَقَالَ لِسِمْعَانَ: "أَتَنْظُرُ هَذِهِ الْمَرْأَةَ؟ إِنِّي دَخَلْتُ بَيْتَكَ، وَمَاءً لأَجْلِ رِجْلَيَّ لَمْ تُعْطِ. وَأَمَّا هِيَ فَقَدْ غَسَلَتْ رِجْلَيَّ بِالدُّمُوعِ وَمَسَحَتْهُمَا بِشَعْرِ رَأْسِهَا. قُبْلَةً لَمْ تُقَبِّلْنِي، وَأَمَّا هِيَ فَمُنْذُ دَخَلْتُ لَمْ تَكُفَّ عَنْ تَقْبِيلِ رِجْلَيَّ. بِزَيْتٍ لَمْ تَدْهُنْ رَأْسِي، وَأَمَّا هِيَ فَقَدْ دَهَنَتْ بِالطِّيبِ رِجْلَيَّ. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَقُولُ لَكَ: قَدْ غُفِرَتْ خَطَايَاهَا الْكَثِيرَةُ، لأَنَّهَا أَحَبَّتْ كَثِيراً. وَالَّذِي يُغْفَرُ لَهُ قَلِيلٌ يُحِبُّ قَلِيلاً". ثُمَّ قَالَ لَهَا: "مَغْفُورَةٌ لَكِ خَطَايَاكِ". فَابْتَدَأَ الْمُتَّكِئُونَ مَعَهُ يَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ: "مَنْ هَذَا الَّذِي يَغْفِرُ خَطَايَا أَيْضاً؟". فَقَالَ لِلْمَرْأَةِ: "إِيمَانُكِ قَدْ خَلَّصَكِ! اِذْهَبِي بِسَلاَمٍ" (لوقا 7: 36- 50). ما يريد يسوع قوله في هذه الحادثة، هو أننا يجب أن لا نقبل حكم الناموس (الشريعة اليهودية) على النساء الخاطئات، ولا يجب عقابهن، ولا تفضيل الرجال مهما بلغوا من الغنى، بل يجب أن تُتاح للنساء إمكانية التوبة والعودة إلى جادة الصواب.