رواية "من الشاطئ البعيد" هي الرواية الرابعة للكاتب المقدسي عيسى قواسمي، ويتمحور موضوعها حول أسرة فلسطينية من حيفا عام النكبة، تتحدث عن رجل وضع ابنتيه في دير الفرانسيسكان في الناصرة، وذهب ليتدبر أمر استشهاد زوجته في القصف، ولكن الظروف حالت من عودته إلى ابنتي
أنت هنا
قراءة كتاب من الشاطئ البعيد
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 8
فهل الكتابة بحدّ ذاتها تفريغ للمشاعر؟ أم أنّها توثيق لما حدث؟ وكيف بالإمكان ربط رغبتي في الإدراك مع ما أومن أنّه جديرٌ بالظّهور فوق الصّفحات؟ فليسَ كلّ ما يسمع يكتب. ولكنّي هنا أحسّ بنبض حياة يكاد يتسلّق الرّغبة حتّى الولادة. إنّ أفكارها حيَّة وذاكرتها مفعمة بما هو جديرٌ بالاستماع له، لكن أليست الكتابة شكلاً من تثبيت ما يعتمل بهذه الذّاكرة وترجمة حقيقيّة لأفكار ما انفكّت تؤرقها وأصبحت تؤرقني أنا أيضاً.. بيد أنّ الكتابة أيضاً تعلّمنا التّفكير والخوض في بواطن الأمور وليس المرور بعفويّة عن ظاهرها فقط. فكّرت لحظتها بقول قديم لكاتب لم أعد أذكر اسمه الآن
"من لا يكتب لا يفكّر." إذاً...
لقد كنت في حيرة من أمري لحظة انتباهي إلى أنّني أسير بسيّارتي على الطّريق السّريع الذي يؤدّي إلى حيفا. لم يكن بالإمكان الاستدارة والعودة إلى الشّارع الذي يؤدّي إلى القدس. ووجدت نفسي أدخل شوارع حيفا وأتجوّل فيها...
أفكار كثيرة مرّت بخاطري حين كنت أنظر نحو بحر حيفا، حدّقت لبرهة نحو قرص الشّمس الأصفر الذي بدأ منذ برهة بالانكماش والتّحوّل للأحمر القاني، متدارياً خلف خطّ البحر اللامتناهي. كانت غيوم هشّة تخترقه ببطْء مزعج فتحجب الأشعّة الباهتة بصمت ثم تنعكس تلك الصّورة فوق صفحات البحر اللازورديّ الذي تتخلّلهُ بقع تومض فوق صفحات الماء. فكّرت بصمت وأنا أنظر نحو سكون الموج في هذه السّاعة من اليوم وأنا أدرك أن النقاش الجدليّ لم يكن مجدياً مع تلك المرأة حول مفهوم الصّدفة والاعتقاد بالقدر، لأنّ الموضوع شائك وبحاجة للارتكاز على معرفة دينيّة وعلميّة واسعة، إلّا أنّني ورغم ذلك كنت أؤمن بالقدر، وعلى نحو ما كنت أركن إلى إيماني هذا بشكل مطلق.
والآن وأنا أقف أمام تراقص الموج الذي بدأ مع اشتداد حدّة الرّيح منذ برهة، وتحت خجل الظّلمة التي بدأت تتسرّب بتثاقل أمام انسحاب القرص الذّهبيّ تساءلت في قرارة ذاتي عن مقدرة البشر المحدودة في إدراك كنه الأحداث؛ لذلك اكتفيت بالتّحديق نحو تلك الموجات الزّاحفة بدلال واضح فتصل متكسّرة عند حافّة قدمي ناثرة بعض حبيبات الرّمل هنا وهناك.