أنت هنا

قراءة كتاب بعد رحيل الصمت

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
بعد رحيل الصمت

بعد رحيل الصمت

رواية "بعد رحيل الصمت"، عالج من خلالها الكاتب والفنان التشكيلي العراقي عبد الرضا صالح محمد، قضية «ثقافة كم الأفواه» ومنع إبداء الرأي، والإسكات القسري في عالم تحفّه المخاوف وتفرضه سلوكيات الهيمنة الحزبية أو الحكومية، مقوماته الجريمة والقتل على الشبهة ومخالفة

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 5
بعد أن ودعه
 
 
 
أيوب الصالح في اليوم الماضي عاد رياض الأديب إليه في اليوم الثاني على إثر المواعدة بينهما، وما إن أخذا مكانهما في غرفة الاستقبال وشربا الشاي، بدأ أيوب يتحدث بصوت هادئ تسوده سحنة من الحزن، انطلق في حديث متواصلا كالماء المنساب، كما لو كان كابوسا جاثيا على صدره، يحاول إزاحته، وبتأن قال:
 
لا أعرف من أين أبدا يا أستاذ، فهذه الحياة التي نعيشها ما هي إلا محطة، ما إن نصل إليها ونتجول في إنحائها بعد سفر طويل وعناء كبير، نرى فيها أشياء كثيرة ونصادف فيها حوادث جمة، نشاهد وجوها مختلفة ونتعرف على أخرى، نحس من خلالها بالألم والفرح، والفقر والرفاه، والمرح والشقاء، كل ذلك، سيمر بعيوننا بلحظة واحدة، وما إن نفارقها ونبتعد عنها تبدو شاحبة متماهية غريبة بعد وقت طويل أو قصير، فتلك الليالي التي عشتها والنهارات والشموس والأقمار والنجوم والأفلاك والجبال والبحار والأشجار والحيوان، وكل ما تحتويه هذه المحطة سنجدها مختلفة ليس كما عشناها في ما مضى·
 
كان الناس أمة واحدة، فتفرقوا شيعا، وأصولا وقوميات وطوائف وقبائل وأحزابا وأفرادا لا يجمعها أي شيء، كل له فلسفته وكل يرى الأشياء كما يراها من شاشة معتقداته فقط، ومن تجاوز ذلك فهو باطل لا وجود له، ومن هنا تحدث الفرقة بين الناس فيقفز أحدها إلى الساحة ويطرح أفكاره بقوة متجاهلا أيديولوجية الآخر، وما إن اختلفتَ معه وضعك في قائمة الند، وحسب لك ألف حساب، فيبدأ بإعداد العدة لك ويهيئ أساليبه الشريفة أو غير الشريفة، التي من شأنها إزاحتك عن طريقه بكل ما استطاع من قوة ! حتى أصدقاؤك وأهلك بل وأبناؤك باتوا غرباء عنك فيما اختلفت الأفكار وتعاكست الآراء، الصراع الفكري الثقافي هو أبشع الصراعات وأسوأها تدميرا وفتكا، فتلك النطفة التي باركها رب الخلائق ما إن تغير لونها صارت غريبة، طريدة مدحورة ! تداس بالأقدام·
 
نعم تغير كل شيء !
 
كانت البيوت واحدة تتسع لكل الأسر، تعيش كأنها أسرة واحدة، يتشاركون الأفراح والهموم والطعام والشراب، أذكر يا أستاذ في إحدى السنين سكنت معنا أسرة من مدينة البصرة، كان الأب عليلا يعمل في إحدى الشركات، وله زوجة وثلاث بنات (صبيحة ونورية ورجاء) كن كأخواتنا نغار عليهن مثلما نغار على أخواتنا، كانت صبيحة الكبرى بينهن، طالبة في الصف الأول المتوسط، عادت إلى البيت يوما بعد انتهاء الدوام باكية، ولما عرفنا سبب بكائها ركضنا جميعا أنا وأخوتي إلى ذلك الفتى الذي تحرش بها، لقناه درسا وحذرناه من أن يمر بمنطقتنا، ومن ذلك اليوم لم نره قط، فهل يحدث مثل هذا الآن؟
 
توقف أيوب وقرأ:
 
{·· مَن يهدِ اللهُ فَهَُوَ المُهتَدِ}
 
كنا ثلة من الصبيان الضالين (إبراهيم، يحيى، يونس، أحمد، كريمة) يجمعنا حي واحد في الزقاق نفسه أو في الأزقة القريبة وفي مدرسة واحدة، وعلى الرغم من أننا لم نكن في المرحلة نفسها أو الصف نفسه إلا أننا نلعب ونسبح ونتحدث معا، كنا نقضي أوقاتنا كل واحد منا في بيت الآخر، فبيتنا هو لكل أصدقائي وبيوتهم لنا جميعا، قد تجدني في وقت الغداة آكل مع إبراهيم في بيتهم، وقد تجد يحيى يتعشى معي، في بيتنا، وهكذا الآخرون الواحد للكل· والكل مختلف في الصفات والطبائع، ولكل هوايته المفضلة: أحمد صناعة الطائرات الورقية· يونس صيد السمك· يحيى تربية الحمام· كريمة فحكايتها حكاية، سآتي عليها فيما بعد، أما أنا وإبراهيم فهوايتنا قراءة المجلات والكتب، وفي العطلة الصيفية كنا نجتمع للعب والسباحة في النهر·

الصفحات