رواية "بعد رحيل الصمت"، عالج من خلالها الكاتب والفنان التشكيلي العراقي عبد الرضا صالح محمد، قضية «ثقافة كم الأفواه» ومنع إبداء الرأي، والإسكات القسري في عالم تحفّه المخاوف وتفرضه سلوكيات الهيمنة الحزبية أو الحكومية، مقوماته الجريمة والقتل على الشبهة ومخالفة
أنت هنا
قراءة كتاب بعد رحيل الصمت
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 6
كانت الهواية المحببة لأحمد
هي صناعة الطائرات الورقية، فهو يقوم بشراء الورق الملون والشريط اللاصق ويقبع ساعات في البيت بعد عودته من دكان الخضار؛ ليصنع طائرة ورقية جميلة يزودها بالشراشب الجانبية وذيل بحلقات ملونة، تثير حسد الأطفال، كان بارعا في صناعتها، يصعد فوق سطح البيت ويرفعها في الهواء عاليا؛ فتصعد في طبقات السماء تتراقص بخفة مع النسمات التي تداعبها·
ذات يوم رأى أيوب أحمد يتشاجر مع جيرانهم، المقابل لهم، كان في حالة هستيرية يسبهم ويلعنهم ويشتمهم، ثم تمادى إلى أكثر من ذلك، فأخذ يضرب باب البيت بالحجارة حتى كاد يكسره، خرجوا له وقابلوه بالشتم والسباب، ثم حدث عراك بينهم، وعلى الرغم من أن أحمد كان قصيراً وضعيف البنية إلا أنه كان جريئا يندفع بقوة وإقدام دون خوف أو وجل، تدخل أيوب وفك النزاع، وسأله عن سبب ذلك·
فقال:
كلما حلقت طائرتي فوق بيتهم قطعوا خيطها وسلبوها مني، أو يرمونها بالمصيدة فيختلف توازنها وتسقط·
هدأه أيوب وعاد به إلى البيت وأقنعه بأن يصنع غيرها، فكل شيء متوفر لديه وباستطاعته أن يصنع أجمل منها، وأنه سيتحدث معهم ويحذرهم من التعرض لطائرته والتحرش به·
كان داود الأخ الأكبر لأحمد، وكان يسبقه بالعمر خمسة أعوام، وهو شاب متوسط في الطول أسمر البشرة، يصفف شعره الطويل إلى الخلف، وكان عصاميا يعمل لحاله ويساعد أبويه في مصروف البيت، وكانت أمه تتأمل زواجه، تجمع له ما زاد من محصوله الشهري وتكنزه ريثما تعثر على بنت الحلال، وكان عمله يقتصر على بيع السجائر (الروثمان) والصابون (اللوكس) وشفرات الحلاقة الجاهزة وحناء الفاو، كل هذه السلع كان يستوردها من مدينة البصرة كلما نضبت سلعه، يعرضها على بسطة من النايلون على الأرض في بداية شارع التربية لبيعها·
لم يكن داود في بداية حياته ملتزما دينيا بل على العكس كان يتمتع بحياته حسب ما يراه منسجما مع رغباته وميوله، فهو لا يبخل على نفسه بالذهاب إلى شارع بشار في مدينة البصرة، واختيار إحدى العاهرات ليقضي معها ساعة، أو ارتياد ملهى الحمراء حاملا معه ربعية من عرق المسيح، يأخذ رشفات منها للتمتع بالموسيقى ومشاهدة الراقصات من جميع الجنسيات هناك، صادف يوما إحداهن وقد جيء بها من اليونان، كانت ترقص وتتعرى قطعة بعد قطعة حتى إنه غير مكانه ليكون في الصف الأول، ليقترب منها وهي تخلع ثيابها بالتتابع، لتكون أمام الجالسين عارية تماما، وفي كل لحظة يخرج ربعيته من جيبه ليأخذ منها جرعة حتى أتى على آخر قطرة فيها· وقد يشتري بعض المجلات الإباحية ويحملها مع البضاعة للتمتع بها في البيت·