رواية "بعد رحيل الصمت"، عالج من خلالها الكاتب والفنان التشكيلي العراقي عبد الرضا صالح محمد، قضية «ثقافة كم الأفواه» ومنع إبداء الرأي، والإسكات القسري في عالم تحفّه المخاوف وتفرضه سلوكيات الهيمنة الحزبية أو الحكومية، مقوماته الجريمة والقتل على الشبهة ومخالفة
أنت هنا
قراءة كتاب بعد رحيل الصمت
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 7
في الصباح، بعد أن يستيقظ تعبا، يفرك جفنيه ويلقي رشقات من الماء على وجهه ليطرد النعاس والخمول الذي لحق به من سهرة الليلة الماضية قبل أن ينزل من الفندق، ثم يعود إلى مدينته، يعرض سلعه الجديدة على رصيف الشارع، وفي المساء يخلد إلى سريره ليتصفح المجلات التي جلبها معه، ثم يحتفظ بها في صندوقه تحت السرير الذي اهتدى إليه أحمد بطريقته الخاصة، يسرق واحدة من بينها يتصفحها أولا ثم تدور بينهم بالتناوب، وآخر واحد منهم يعيدها إليه، وهكذا يكونون قد اطلعوا على جميع مجلات داود دون أن يعلم·
كان يعمل صباحا ويدرس مساء في الإعدادية المسائية، أكمل دراسته في الإعدادية وتم قبوله في جامعة البصرة آداب قسم اللغة العربية، تعرف هناك في الجامعة إلى أحد الطلاب يدعى (لقمان)، وهذا الطالب كان من الطلاب المتميزين والمهتمين بالقضايا الوطنية، هادئ الطبع متأنيا مثقفا ثقافة عالية، وخاصة في مادة التاريخ الإسلامي وتأريخ الشعوب الأخرى، له قدرة كبيرة على ا لتأثير في الآخرين، أحبه داود وعقد معه صداقة حميمة ودأب على مجالسته والاستماع إلى حديثه، كان يختلف عن داود بأفكاره وسلوكه كليا، وكثيرا ما يدخل معه في محاورات ومناقشات في العقيدة والفلسفات الغربية التي تجتاح المجتمع العربي وتأثيرها عليه، وضياع الهوية العربية والإسلامية، وارتداء أفكار الغرب الضالة من إباحية وفجور وجريمة وغيرها، وكان في كل مرة ينتصر على داود· أخيرا استطاع أن يؤثر فيه ويجره إلى جادة الصواب، وشيئا فشيئا تغير داود وترك سلوكياته القديمة واهتدى إلى طريق الخير والصلاح، فأخذ يبحث في مصادر وكتب العقيدة والتأريخ، لتحصين نفسه بثقافة حقيقية يستطيع من خلالها دحض ادعاءات المرجفين والضائعين في فلك الأفكار الغربية، وأخذ على عاتقه تغيير من حوله·
{إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى}
بدأ بتوعية وتوجيه أخيه أحمد أولا، وقام بتوجيهه التوجيه السليم، زوده ببعض الكراريس الصغيرة في العقائد والتاريـخ القومي العربي، واصطحابه إلى المسجد لأداء الصلاة، والاستماع إلى الخطباء والمحاضرات وصوت المعارضة من خلال المذياع، بعد حين أصبح أحمد إنسانا جديدا ترك المجلات الإباحية والتجأ إلى قراءة الكتب، وحث أصحابه على وجوب الالتزام بالعقيدة ونشر مبادئها وفعل الخير، وهكذا بين ليلة وضحاها أصبحت الثلة الضالة ثلة مباركة يحفها الإيمان، وفي وقت قصير بدأوا يتوافدون على مسجد (ملا رجي) الواحد تلو الآخر، تجمعهم تلك البقعة الصغيرة التي جعلها الله سبحانه نواة للوحدة والألفة والرحمة والأثرة·


