أنت هنا

قراءة كتاب افراس الاعوام

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
افراس الاعوام

افراس الاعوام

يرحل زيد الشهيد في مؤلفه الروائيّ (أفراس الأعوام) بقطار الشعريّة إعتماداً على لغة ثريّة منطلقاً من أواخر خمسينيّات القرن العشرين عائداً إلى عشرينيّاته ليواكب حركة بطله وهو يرى الأحداث الّتي تعصف ببلده العراق إبتداءً من ثورة العشرين ومجيء الحكم الملكيّ الذي

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 3
مِن سطح بيتهم· ذلك البيت الواطىء في زقاق الدَخَل في محلة الغربي استيقظ جعفر· يومها كان شاباً بعمر السبعة عشر عاماً· استيقظ فزعاً على صوت إطلاق نار من سلاح قريب، ثم سماع دربكة وحوار عالٍ متقطع وغير مألوف في الزقاق· توجه إلى جدار السطح مُطلاً برأسه، مبصراً أناساً مندفعين عبر الزقاق باتجاه السوق الكبير، يتحدثون عن هجوم يحدث لمخزن السراي، وأن المهاجمين شرعوا ينهبون محتوياته·
 
كان الفجر انتهى (والفجر في مدينة كالسماوة - تحيطها البساتين ويدخل في جوفها الفرات نهراً - يضجُّ بالهوام من بعوض وحرمس وديدان سود طائرة وأخرى قهوية اللون تدبُّ خارجة من ثقوب تتَّخذ منها بيوتاً ومآوي، تخرج مع انسحاب آخر ضوء للنهار، وتتحرك مع قدوم لوامس الغروب لتتناول حرية الحركة والطيران، بعضها بحثاً عن أجسام تمتص من بشراتها اللدنة، دماءً غذائيةً تزودها بطاقة العيش وإن هي ستموت بعد ساعات، وبعض آخر يتناول الفُتات المتروك على أرضية المطابخ - هذا إذا كان ثمَّة مطابخ بالتعريف الحقيقي للمطابخ - رحلة عيش يومية تأتي على مخلفات البشر ورقودهم)، والصباح أطلَّ بنوره عندما ترك البيت قاطعاً الأزقة الأمعائية وصولاً إلى شارع النهر· هناك الحركة لمّا تزل حثيثةً لأناس يعيثون نهباً ويحملون قوتاً مجانياً فرحين بما نهبوا، ومبتهجين بما حملوا· متوحدين كأنَّ ما كان من عِراك بين محلتيهم الغربي والشرقي النازفة جراءه الدماء الوفيرة قد ذاب، ونسي المهاجمون قرارات الثأر المستفحل وفرص تحقيقه· صار يرى الشرقيين والغربيين في انهماك صارخ ((الأعداء رأيتهم يساعد أحدَهم الآخر في حملِ كيسِ رز أو علبة سمن، أو حلاّنة تَمْر لا يستطيع فرد واحد حملها، في وقت كانت فيه أصوات مدفعية القوات الإنكليزية تقترب انتصاراً، بينما هيبةُ الدولة العثمانية تتقهقر اندحاراً·· ما هذه المفارقة، يا إلهي))·
 
تحرَّك وسطَ حيرةٍ وارتباك، وكانت دائرة البريد والبرق التي هي جزء من مبنى السراي أول ما أطلَّت نظراته على بابها الخشبي ذي الضلفتين، بعدما شبعت عيناه من مشاهد الحركة الدائبة للسرّاق وهم ينتهزون الفرصة المُثلى للانتقام من حكومة كانوا يوالونها تزلفاً ويضربون لها العهد كذباً· لا يدري ما الذي جعله ينظر إلى باب دائرة البرق وهو يُفتح فجأةً، فيخرج منه القائمقام ببدلته الحضرية وقد خلع سدارته ولفَّ رأسه بكوفية، في محاولةٍ للتخفي عن أعين الرائحين الغادين· واقع الحال لم يكن هؤلاء ينتبهون إليه، ذلك أنَّ السَّمن المجاني أثمن من التطلع في الوجوه؛ والرز العنبر أفضل من أنْ تنطلق كلمةٌ تحدِّث هذا أو توقِف ذاك· دنا منه، وفاه همساً:

الصفحات