يرحل زيد الشهيد في مؤلفه الروائيّ (أفراس الأعوام) بقطار الشعريّة إعتماداً على لغة ثريّة منطلقاً من أواخر خمسينيّات القرن العشرين عائداً إلى عشرينيّاته ليواكب حركة بطله وهو يرى الأحداث الّتي تعصف ببلده العراق إبتداءً من ثورة العشرين ومجيء الحكم الملكيّ الذي
أنت هنا
قراءة كتاب افراس الاعوام
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 4
- بيك! هل أصاحبك سعياً للأمان؟
رفع الرجل نظرةَ ارتباكٍ وراح يستطلعه· شيء ما في رأسه شرع يدور· ((شيءٌ ما يدور في رأسي الآن·· مَن هذا الفتى الذي يقدِّم مساعدةً مجانية، ويترفَّع عن المشاركةِ مع الناهبين؟ مَن؟!·· آ·· تذكرتُهُ·· إنّه الذي كنتُ أبصره عديد المرات يخطو قريباً من بيتي وبيوت الموظفين المجاورين لي· قيل لي وقتها إنّه شاب حملته موجةُ الغرام من صوبه الكبير عابراً الفرات إلى صوب القشلة حيث نسكن))··· ومن بين خشيته أن لا يُكتشف فيحصل ما لا يتمناه ردّ همساً:
- السير منفرداً أفضل·· بمقدورِكَ متابعتي عن بعد·· وأنا أشكرك·
تحركَ خلف الرجل المتسلل الحاثُّ الخطى دخولاً إلى فم الجسر قصداً في عبوره، وإدراك بيته الكائن هناك· سحبَ جعفر أنفاسَ الارتياح لسلامته، ويقينا سبقه القائمقام بسحب مثل هذه الأنفاس للسلامة نفسها·
ألقى نظرةً نهائية عليه لختم حالة الطمأنة فأنبأه المشهد أنه يحث السير من أمام البيوت المطلّة على النهر، ببنائها العصري الحديث الذي لا يشبه البيوت الأخرى، مخلِّفاً وراءه التياترو، وقد تدلَّت من شرفته ثلاثة رؤوس يبدو أنها كانت تراقب المشهد، ويقينا أبصرته يمر من أمام أنظارها·
((شاهدنا نظامَ سيرٍ معهود لرجل اعتاد يومياً عبور الجسر من صوبنا باتجاه السراي في الصوب الكبير· وكنا ننتظر وقع خطاه وهو يسير الهوينا، مستنشقاً هواء الصباح ومتعللا بما يسمع من بلابل تطلق زغرداتها وعصافير تعج بأصوات متشابكة ابتهاجاً بنهار جديد·· نهضنا فزعين على صوت رصاصة دوَّت مناهِضةً مَقدَم النسمات الصباحية البليلة، وقلنا معاً: وصلَ الإنكليز !·· الإطلالة من شرفة دارنا أنبأتنا أن لا وجود لمظاهر إنكليزية، فقط أناس يتحركون ما وراء النهر قرب السراي وهم يحملون أشياءَ لا نتبينها؛ أعلمنا ضوء النهار المتسلل أنهم يفتضون باب مخزن المؤن وينهبون محتوياته·· لم تكن الدهشة في السرقة إنّما في الرجل الذي جاء عابراً من صوب السراي باتجاه صوبنا·
همست بهيّة:
- هذه الخطى ليست غريبة·