أنت هنا

قراءة كتاب افراس الاعوام

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
افراس الاعوام

افراس الاعوام

يرحل زيد الشهيد في مؤلفه الروائيّ (أفراس الأعوام) بقطار الشعريّة إعتماداً على لغة ثريّة منطلقاً من أواخر خمسينيّات القرن العشرين عائداً إلى عشرينيّاته ليواكب حركة بطله وهو يرى الأحداث الّتي تعصف ببلده العراق إبتداءً من ثورة العشرين ومجيء الحكم الملكيّ الذي

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 7
(2)
 
طوال قرون ظلَّت السماوة مدينةً عصيّة على كلِّ مَن فكرَّ في الإغارة عليها أو جاءها بمهمة تنظيم إداري وتصريف شؤون حكم· يشفع لها سورُها المُحكَم المتين وشجاعةُ أهلها في صدِّ مثل هذه الغارات· أهلُها منقسمون في سكنهم إلى حييَّن يفصلهما سوقٌ طويل· الأول أطلقوا عليه الحي الغربي فكان نعت سكنته (الغربيون) فيما الثاني اسمه الحي الشرقي فصاروا يُسَمَون (الشرقيون)؛ إضافةً إلى نهرٍ يخترق المدينة فيهبهم الحياة ويشعرهم أنهم بمأمنٍ ممّن يفكر في الإغارةِ واستخدام التعطيش سلاحاً لمحاربتهم· ولأنَّ التاريخ لا يمكن طمره والتغاضي عنه، فإنَّ سكان هذين الحييَّن كانا في معارك دائمة وحرب غائرة تدخل في أعماق السنين· السوق بعرضه ذي السبعة أمتار يشكِّلُ أرضاً حراماً بالعرف العسكري، وبرزخاً لا يمكن تجاوزه من قبل الطرفين أيام الاحتراب· هذا يعني توقُّف العمل ونزول الصاعقة على رأسِ مَن له محلُ بيعٍ فيه· (مَن يستطع أحدٌ منهم الاحتجاجَ فليفعل·) بيد أنَّ هذه العداوة سرعان ما تتلاشى حين ينادي المنادي أن َّخطراً جديّاً خارجيّاً يداهم المدينة، وأنَّ رافعي لواء ذلك الخطر يخططون لاستباحتها؛ عندها يتنادى الجميع للصد· يسبقهم فارض العلوان شيخ الغربيين وجابر الدخيل شيخ الشرقيين في اجتماع ينتهي بتهيئة عشرات الأشداء، الذين ينتظرون لهفةً الدخول إلى الجنَّة من بابِ الشهادة وحيازة موقعٍ متميزٍ في مرتبة الفردوس، حيث الحور العين والوِلدان المخلدون وأنهار العسل·
 
جعفر، حدثته جوخة وهي جدته لأبيه وقد تجاوزت عمر المئة عام واحتفظت، رغم أن جسدها ضمُر واحتلت وجهَها الغضون والتجعدات، بذاكرةٍ لها قدرة الحكي المتسلسل، بعيداً عن هيمنة الخرف وشرود الذهن وعطل الذاكرة عن خبر قدوم الوهابيين من جانب البادية الجنوبية الممتدة إلى أرض الحجاز، وكيف تنادى أهالي المدينة لصدّهم؛ فقالت:
 
عاد أبي يوماً من المقهى ليحدّث أمي عن مقدمِ وباء بشري وقومٍ متوحشين قادمين من الجزيرة العربية، جعلنا في ريب دائم وخشية ثقيلة من المجهول· رأيتُ أبي وأمي وأخوتي مُقبِل وحميّد وكاظم الذين يكبرونني بأعوام يستعيذون بالله، كلما جاء ذكر أولئك القوم المتعطشين للفتك· فمجيئهُم نذيرُ شرٍّ وشؤم ووعدٍ بدماء ستسيل بلا رحمة؛ إذ إن قلوب هؤلاء البدو مجبولةٌ من حجر· لا يعرفون للإنسانية وجهاً ولا للدين سماحةً· والأخبار التي كانت تصل المدينة تشير إلى مذابح ارتكبوها تهتزُّ لها الجبال هلعاً، وتجفُّ الأنهار الهادرة بالمياه رعباً، مثلما تُذكِّر بالمغول وحبِّهم لشرب الدماء ورغبتهم بالعبث والدمار· هُم لا يعرفون القتلَ إلا ذبحاً، ولا دخولَ البيوت إلا حرقاً·

الصفحات