يرحل زيد الشهيد في مؤلفه الروائيّ (أفراس الأعوام) بقطار الشعريّة إعتماداً على لغة ثريّة منطلقاً من أواخر خمسينيّات القرن العشرين عائداً إلى عشرينيّاته ليواكب حركة بطله وهو يرى الأحداث الّتي تعصف ببلده العراق إبتداءً من ثورة العشرين ومجيء الحكم الملكيّ الذي
أنت هنا
قراءة كتاب افراس الاعوام
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 9
صباح اليوم التالي وقبيل بزوغ الشمس كانت العين الراصدة تتابع حركة القائد وهو يجلس منتشياً بعد تناوله حليب الناقة، وشرائح الخبز المطلية بالعسل الأسود الشهي، بانتظار تقديم القهوة بالفنجان الزجاجي الصقيل· تقدم الخادم الفاحم البشرة يحمل دلّةً برونزية لميعة، وراح يسكب قهوةً سوداء في قلب الفنجان· وفي اللحظةِ التي ارتفعت الكف لتتلقى الفنجان وتدفع بمحتوياته إلى جوف الفم، تهشم الزجاج الصقيل وتفرَّطت أجزاؤه فيما تناثر السائل الأسود بقعاً على الوجه، وكشفت العينان المتفرستان في الأرجاء ذهولاً أرساها على شاطىء قرار اتُّخِذَ سريعاً·· قال في أعماقه: إنَّ الذي أصاب الفنجان في قلبه لقادر أن يصيبني في رأسي
رفع الرأس وأرسى آخر نظرةٍ على الرامي المنتصب في نقطة رصدٍ مكينة فوق سور المدينة وقد تصاعد خيط دخان من الماسورة الطويلة؛ لحظتها أعطى إشارة الانسحاب والتحرك صوب مدينةٍ أخرى ليُمارس فيها فعل الذبح والعبث والدمار·
هل تفاعلت هذه الحادثة لتقرّب بين الشرقيين والغربيين فتجعل منهم مدينة موحَّدة يؤمها الوئام وينشر الصفاءُ رحيقَهُ في النفوس؟ هل تناخى الفرقاء على نبذ الفرقة كما تناخوا على العدو القادم للإغارة والهتك؟ هل قال أحدهم للثاني إنَّ ديننا واحدٌ وإنسانيتنا مشتركة فلماذا التنافرُ والشقاق؟·· هذه الأسئلةٌ طرحها جعفر على جدته تاركاً لها حريةَ الرد·· لكنّها غب جلسةٍ وجدَت نفسها قادرة على الحديث، استدعته إلى غرفتها الحسيرة·· اتكأت على الوسادة الصوفية متَّخِذةً جلسةَ مَن يريد الحديث الطويل :
قبل يومين سألتني عن أحوال الناس المهووسين في افتعال صدامات لا تنتهي إلا بزهق روح بريء أو ترك أجسادٍ تئن·
- نعم يا جدتي، أنا في حيرةٍ وبحث عن جواب·· أقول أين الدين الذي يزرعون تعاليمه في قلوبهم؟ وأين مخافة الله والخشية من بطشه؟
تضحك جدته جوخه بقهقهةٍ تعكس فعل السنين على صوتها واهتزاز جسدها، فتأتي ضحكتها كقأقأة دجاجة:
- أي دين يا ولدي؟ وأي مخافة·· مَن يقل لكَ إن الناس هنا يخشون الدين فلا تصدق· ومن يشر إليكَ على أن رسول الله والأولياء لهم مهابةٌ حقيقة في نفوسهم فاعتبره من عِداد التخاريف·