يتنقل الروائي السوري خليل النعيمي في روايته الجديدة (لو وضعتم الشمس بين يدي)، بين قلب ساخن، وعقل بارد، يحاكي فيما بينهما الحالة السورية ببعدها الإنساني والسياسي والوجودي، "كنت أعرف أن الجائع لا يشبع من الانتظار، لكنه بغير الانتظار لن يحصل على شيء" صفحة 24،
أنت هنا
قراءة كتاب لو وضعتم الشمس بين يدي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 2
ولأني لم أكن أعرف ماذا أقول، تابع :
- ماشياً، كنتُ أتساءل: مَنْ أنت ؟ مستعيداً بصعوبة، وجهك، وهيئتك، وألوانك، مع أنني رأيتك مرات عديدة· لكنني، برغم ذلك، لم أتوصَّلْ إلى معرفة أكيدة تجعلني اطمئن إليكَ· كدتُ أَلوم نفسي التي لم تحتفظ بكَ، أو لم تلتقط منكَ ما يُنْبِئني عنكَ، أو يهديني إليكَ، حتى ولو شذرات من كلام، أو ملامح·
كان يتكلّم دون أن ينظر إليَّ·
فهو لا يجلس، أبداً، في مواجهتي، وإنما في صفّي· وحسبْتُ أن الجواب الذي وقف فوق لساني، ولم أقُلْه، لا يبدّل، لو قلته، في الأمر شيئاً·
ودون أن يهتم بمُلابساتي، عاد إلى الحديث:
- لدي احتمالات لا نهاية لها حولكَ· وبي رُؤى وأقاويل· أنت تعرف أن الحياة مليئة بما يسرُّ وما لا يسرُّ· بالأساطير وبالوقائع البليدة· بالحقيقيّ وبالمزيّف· وعليَّ أن أوضح، منذالبدء، أنني أعتبرهما، أقصد الحقيقي والمزيّف، في وضعنا العربيّ الراهن متماثلين، أو متكاملين، إذا أحببتَ·
وبعد أن توقف قليلاً عن الكلام، وكأنه ينتظر مني أن أتَمَثَّل ما يقول، أضاف دون إلحاح:
- وأنا أكره ما لا أحبّه منها، من هذه الحياة العربية البليدة· أقصد من وقائعها ومن أهلها· وعسى ألاّ تكون أنتَ من هذا الجزء منها·
مَنْ أنا؟ أنا لا أحد، قلتُ في نفسي· ولكن كيف يمكن لي أن أنقل إليه هذا الخواء البشع؟ ورأيتُه يَتمَلّى الالتباس الكامن في اللوح، لوح وجهي، وهو يَتمَطّى مُتفاصِحاً، من جديد:
- أريد أن أعرف منكَ ما تعرفه أنتَ عن نفسك، لا ما يعرفه الآخرون عنكَ· هوية الكائن الإدارية لا تهمُّني· ما أبحث عنه هو هويته التاريخية· وآمل أن يكون لكَ حظ منها·
وبعد قليل من السكوت، بادر إلى الكلام بهدوء آسر، وكأنه يدعوني إلى مأدبة نفسية:
- أعرف أنني لا أتوجّّه إليك بما يلزم من التَرَوّي والهدوء، لكنني لا أحب أن أُقارب الأشخاص الذين، ربما، سيعنون لي، ذات يوم، شيئاً، مقاربة مُلْتَبسَة تحمل أكاذيبها وفشلها منذ البداية·