يتنقل الروائي السوري خليل النعيمي في روايته الجديدة (لو وضعتم الشمس بين يدي)، بين قلب ساخن، وعقل بارد، يحاكي فيما بينهما الحالة السورية ببعدها الإنساني والسياسي والوجودي، "كنت أعرف أن الجائع لا يشبع من الانتظار، لكنه بغير الانتظار لن يحصل على شيء" صفحة 24،
أنت هنا
قراءة كتاب لو وضعتم الشمس بين يدي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 4
بقيتُ صامتاً·
حاولتُ أن أجد موضوعاً للتحدّث· لكنني لم أعثر على شيء· في ظـرف مثل هذا، سيبدو الكلام، أيّاً كان، زائداً عن اللزوم·
من قبل، كنت أحسب أن أسهل الأمور التكَلُّم· أما الآن فقد أصابني نوع من الخَرَس الذي لا أفهم له سبباً· لم أجد الفرصة ملائمة لكي أسأله عن···
وقبل أن أُحدِّد ما سأقوله، عاد إلى الحديث براحة بال:
- لا تهْتَم! لا ضرورة للتسرّع في الكلام· أنت لا تجهل، كما أظن، أن الصمت كلام آخر، إنْ لم يكن هو الكلام الأساسي الذي ينقصنا·
وبعد ثوانٍ، أضاف :
- لماذا يصمت الكائن إنْ لمْ يكن من أجل أمْرٍ خطير؟ أنت تحسب أن الصمت من خصال الكسالى، وأنا أرى أنه شيء جليل· هو ليس فضيلة، بالتأكيد، لكنه ليس رذيلة، أيضاً· إنه موقف من العالم الذي نعيش فيه· موقف لا أدرك، حتى الآن، كل أبْعاده، لكنني أخشاه·
أخشى الصمت أكثر ممّا أخشى الكلام· تصوَّرْ!
كان المساء يقترب شفيفاً من وراء أشجار الحديقة العملاقة· ومع اقتراب المساء بدأتُ أتهيّأ للمسير إليه: إلى تمثالي الأثير· أول تمثال رأيته عند دخولي المدينة· كنت مشغوفاً بالنظر إليه: تمثال عازف الناي العاري الذي يفتتح حديقة اللوكسمبوغ· العازف الذي لا يملُّ من تحريك أواصر الحياة في عروقي·
وكأنه يعرف، من قبل، هذا الهوس البصري الذي يقودني دائماً إليه، إلى ذلك العازف اللامبالي، والذي يبدو سعيداً، تطلَّع بهدوء نحو السمت الذي يملأ عينيَّ، وتنَهََّد· كان يحسب، ولا بد، أنني وقعتُ ضحية عريه الصارخ· وكنت أبكي في قلبي كلما أراه دون أن أعرف السبب·