رواية "مدينة لا تخرج من البيت" الصادرة عن «المؤسسة العربية للدراسات والنشر» لللكاتب والتشكيلي الفلسطيني محمد السمهوري، هي رواية تقترب من الفانتازيا لتتحدث عن بُعدين تاريخي ورمزي، حيث يحكي الكاتب قصة مدينة يقرر زعيمها حشرها في البيت، ليتناول فيها الأحداث ببع
أنت هنا
قراءة كتاب مدينة لا تخرج من البيت
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 3
كان يسمع بعض الأخبار من حارس البناية، وهي في الحقيقة لم تكن أخباراً· بل مشاهدات له بحكم وجوده أسفل البناية، كان يقول له ولسكان البناية إنه رأى سيارة تسير في الشارع ومجموعة من رجال الشرطة يتجولون ليلاً، وسيارة إسعاف تمر مسرعة، كانت الشوارع في النهار أقل صخبا مما هي عليه في الليل· ففي الليل تنتشر الشرطة ويختبىء ما تبقى حتى من حشرات أو قطط وكلاب سائبة·
يتلقى أي خبر من حارس البناية كأنه بشارة الخلاص مما يعانيه من وحدة قاسية وحجز قسري لا يفهم معناه، الدنيا ضيقة الأفق بالنسبة له، حين قرر أن يخرج في تلك المسيرة الليلية عارياً لم يكن يدور في خلد أي من سكان البناية أو المدينة سبب خروجهم عراة يلوحون بملابسهم الداخلية، ويصرخون ويجهشون في البكاء، حتى الأطفال كانوا مستائين ولم يصدقوا ما كانوا يشاهدونه من حدائق وشوارع وأشياء يرونها للمرة الأولى، كانت الدهشة والصدمة باديتين على الجميع رغم انشغالهم بالمطالبة بحقهم أن لا يجلسوا في البيت·
كان حارس البناية همزة الوصل في تلك الليلة حين أعطاهم الإشارة بالخروج، وكان قبلها أحد سكان البناية قد أعطاهم الملاحظات التي عليهم الالتزام بها، ألا ينسوا أجسادهم على طبيعتها·· في الحقيقة لم يناقش أحد أو يحتج على طبيعة خروجهم، خاصة أنهم تعودوا الجلوس عراة في البيوت·
يأخذ الإنسان من المدرسة ما تمليه عليه، ويأخذ من الحياة ما يريد، وهذا ما يريد، وفكرة ما يعيشه كان عبارة عن إعادة إنتاج الماضي وليس الحاضر، يعيش وحيدا لأن كل شيء حوله مزعج ومربك، وبلا جدوى، ذات مرة قالت له امرأة : إنني احبك، سألها : لماذا أحببتني فلم تجبه·· وبدوره لم يعد الاتصال بها ولم يرها· هناك نظريات علمية بحاجة إلى تحليل وتفسير لكن المشاعر لا تدخل في هذا السياق·
ضاقت بهم المساحات، لم يعودوا يحتملون خطواتهم الاعتيادية، أرواحهم خفتت، وبدأوا يشعرون بأن أرواحهم تزهق نتيجة قرار السلطة بعد قرار الحجر عليهم، في بعض الأحيان يناقشون بعضهم في ممرات البنايات والبيوت، لماذا تفعل بنا الشرطة ذلك، يخافون من أنفسهم، يراودهم السؤال ذاته : قد يكون أحدنا مصاباً بمرض معد أدى إلى هذا القرار، أو نكون دعونا إلى تغيير النظام، أو أن زعيمنا الذي لا نراه إلا قليلا وفي مناسباتٍ محدودة قد يكون غضب علينا نتيجة نصيحة أحد مستشاريه غير الدقيقة فدق إسفيناً بيننا وبين زعيمنا، غريب الأطوار·