رواية "مدينة لا تخرج من البيت" الصادرة عن «المؤسسة العربية للدراسات والنشر» لللكاتب والتشكيلي الفلسطيني محمد السمهوري، هي رواية تقترب من الفانتازيا لتتحدث عن بُعدين تاريخي ورمزي، حيث يحكي الكاتب قصة مدينة يقرر زعيمها حشرها في البيت، ليتناول فيها الأحداث ببع
أنت هنا
قراءة كتاب مدينة لا تخرج من البيت
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 9
كان يحب الحديث عن الأيام التي عانى منها، عن فقده للذين مروا في حياته، عن بطش مجرم يريده في ليلة، عن زعيم سياسي يفكر بأن الحلم مثل حكم الشعب، عن المستضعفين حين لا يردونهم في لياليهم المكحلة بالهزيمة والانكسار، عن طردهم لأي منهم، يقول لهم بأنه جاءه أو رآه أو سمع عنه، كان يبكي وهو يحدثه، ينتحب، ينهار، يضعف، يلعن نفسه واسمه ولحظته التي يمر من خلالها إلى الآخرين·
حكى عن الأيام واللحظات العصيبة التي مر بها وفيها، كان يشهق بالبكاء وينظر في وجهه وفيه من الحزن ما يكفي لتعبي وحبي له، ينسى نفسه وهو يحدثه عن أشيائه، مشكلاته، أكد له بأنه بات يعاني ويتعب ويهرب من المحبطين والظالمين ولم يعد قادراً على مواجهة الكوابيس التي كانت تهرب منه لحظة حضوره، قال له بأن الأشياء كانت أفضل حالا، وأن الناس جارت على نفسها، وأن الخطوط أصبحت أضعف، وأن المساحات تداخلت بين الأشياء، بين الضعيف والقوي، الفقير والغني، بينه وبين الكابوس، أصبح مستنزفاً يدافع ويقنع الآخرين به وأنه سبب قوتهم، صار مطلوباً منه بذل كل ما بقوته لكي يعيش فقط، لكي يكون ملح الليل، كان يبوح له كأنه توحد من هواء حامل النغمات من ثقوب الناي، كان يحب الشرق ويسترخي حين يشم رائحة البخور، ويداعب الستائر الشفافة في غرف النوم الفاخرة والمطلة على السهول والبحار·
ذات يوم قال له:
أصبح لي مزاج خاص، أحب الجلوس وحدي، أفكر بنفسي، بأن يكون لي ما يكون للناس
نظر إليه ثم عاد ليكمل حديثه:
أن يكون لي حبيبة وأطفال وبيت وحديقة وستائر وردية، وأخرى مخملية، ومقعد خاص أجلس عليه لأحلم بما لم أحلم به وراح مني، أريد أن أحلم، أريد أن أتوقف عن دوري هذا، علي أن أعيش مثل الآخرين، مثلا أن يكون لي عمل، تمنيت أن أعمل ساعي بريد، أتنقل بين المدن والقرى والبيوت والأزقة، وأزف الأخبار للملهوفين، أحمل لهم شوق الآخرين في رسائل بدل الجهد الذي أبذله الآن من أجل أن أصلهم في نومهم دون نتيجة، هل تعلم بأن الرسائل تعادل وجودي ؟ لقد كانت الناس تفرح كثيرا بها·