رواية " والهمس لا يتوقف أبداً "، صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، للكاتبة الأردنية الدكتورة ليلى نعيم، تحكي الجانب الإنساني الفلسفي حيث اعتمدت فيها على أساطير الإغريق. نقرأ من هذه الرواية:
أنت هنا
قراءة كتاب والهمس لا يتوقف ابدا
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
والهمس لا يتوقف ابدا
الصفحة رقم: 2
- الناس في المنطقة صارت بتسمي الطريق هيدا طريق الروحة بلا رجعة·
قالها وعدّل للمرة الثانية من جلسته· بدت بعض الحيوية تتسلل إلى جسده، وأخذ رأسه يستدير قليلا باتجاهي في المقعد الخلفي، وكتفاه الضامران يتمددان قليلا كأن الحاجز الذي كان مضروبا حوله أخذ بالإنعتاق،بفعل بعض هذه الكلمات المقتضبة التي صرح بها· لا بد أنه أحس بأنني، وبالرغم من كوني غريبة، لا أنتمي إلى عالم المصطافين أيضا· في السابق، وقبل الآن بعشرين عاما، كان الشارع يبدو وكأنه خارج من جنبات البحر· يختبيء هذا للحظات في ثنايا ذلك المارد الأزرق، أو يترك هذا الأخير على إسفلته المتواضع بعضًا من رواسب حمولة أمواجه من صدف وأعشاب طحلبية، وأطفال السلاطعين التائهة المتضاربة الاتجاهات والتي لا تلبث ان تجد لنفسها ملاذاً في كهوف الرمل الرطب عند حوافي القشرة الإسمنتيّة الرقيقة· كان البحر عندها سيّد المكان، ولم يكن الطريق ومن يسلكه، إلآ جزءاً من مشهد منسجم كنت في السابق، وعندما أبدأ في الإقتراب من هذا المشهد، أشعر بأنني دخلت عالم الماء حيث كان طعم البحر يغرز مذاقه في مسامات جسدي قبل ملامسته· لم يحدث كل هذا اليوم وتمنّعت هذه اللحظات عن استقبال معتاد· السائق هو الوحيد الذي بدا لي في تلك الحظة من مركّبات الماضي· لم أستطع فصله عن بعض قوارب الصّّيد القديمة التي كانت ترسو في بعض تعرّجات الشاطىء في تلك اللحظة: هم وهو تلازما البقاء خارج الانقلاب في طبيعة المكان، ولم يتستّرا عمّا ألحقت بهما العشرون سنة الماضية من شقوق وندب وحفر، فالطلاء الأزرق والأحمر والأبيض المتشقق لتلك القوارب، وقبة قميصه النظيفة، ولكن الشديدة الإهتراء، والفجوة الكبيرة في سلسلة أسنانه والتي التقطها نظري في غفلة من ضموره المتكتّم، أعلمتاني بأن حارات مدينة الميناْء هذه ما زالت عما تركتها عليه، بيوت بحارة قديمة تشكل أزقتها جزءاً من مجالس بيوتها عند العصر وفي ساعات المساء الحارّة· لا بدّ أن الشراشف البيض والمطرّزة والنظيفة ما زالت تغطي أسرّة سكانها النحاسيّة، ولا بدّ أنّ تلفزيوناتها ما زالت تحمي نفسها من الحرارة والغبار بقطع دائريّة، تعاونت على صنعها أصابع الجدّات وصنّاراتهن، كما زالت أصابع الصيّادين المستقيلين من ركوب البحر تصنع شباك الصيد· لم يقترب البحر مني· تأكّدت من أن نافذة السيارة مفتوحة· هل أدار المارد ظهره لي؟ أم هل تساوى حجم الغبار الثقيل القابع على الجدران الصبارية على جنبات الطريق، مع ذاك الذي أغلق مسامات جلدي؟