أنت هنا

قراءة كتاب والهمس لا يتوقف ابدا

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
والهمس لا يتوقف ابدا

والهمس لا يتوقف ابدا

رواية " والهمس لا يتوقف أبداً "، صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، للكاتبة الأردنية الدكتورة ليلى نعيم، تحكي الجانب الإنساني الفلسفي حيث اعتمدت فيها على أساطير الإغريق. نقرأ من هذه الرواية:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 7
خرجت أم مريم وتركت الباب مفتوحا، تماما كسلتها· فقط العلبة مغلقة·
 
حقيبة العمل· أوراق· مئات من الصفحات المكتوبة بخط يد: الغربة·· المد والجزر·· زيارة الموت الأولى·· وعناوين محبطة فاصلة بين رزمة وأخرى· عبء ثقيل، ليس لذاك السائق الذي حمل الحقيبة وأودعها الغرفة مع أخواتها ممن رافقنها الطريق، بل لي أنا، التي تخندقت داخل صفحاتها لسنوات· وضعتها جميعاً فوق أحد الرفوف الخشبية المثبتة على جدار تجويفة في الحائط المجاور للسرير، والذي دهن بالأبيض، شأن بقية جدران الغرفة ومجمل البناء وكل البيوت القديمة الممتدة على ثنايا الساحل· فقط دوسيه صغيرة مصنوعة من الجلد ومشغولة بعناية، هي من تمنّع من الإستقرارعلى الرف· جلست إلى الطاولة على كرسي ككل الكراسي المستعملة في بيوت المنطقة الساحلية وقراها المبعثرة بين ثنايا الجبال العالية المطلة على البحر: مقاعد من خشب مطلي بالأزرق وقش· الأزرق المنحاز الى لون السماء والبحر هو لون سكان المنطقة·
 
فتحت الدوسيه بعد أن مرت أصابعي مراراً على جلدها الناعم· فكرت لحظتها بعدم عبثية لهاث الانسان وراء اقتناء الأشياء النادرة والفاخرة، فالأشياء، قلتها في سري، تحاكي عين الانسان وجلده وروحه في لحظات عطب إنساني· أخرجت الرسالة الأولى من قلب هذا الجلد الأليف بعد أن تهاوى غطاؤها الى أقصى اليمين بحركة أنيقة طرية، ليرتاح على سطح هذه المنضدة الحديدية· رفاه أوروبا وتقشف دير متوسطي تلاصقا· غريب أمر هذه الحياة! كيف لهذه القطعة ان تتبع قدرها وتأتي من تلك المدينة البحرية وتستقر هنا محملة برسائل غريبة عنها وعن لغة صانعيها! مدينة بحرية! البحر مرة أخرى، يلاحقني دائما كأنه في مسعى مستمر لتذكيري بأن جذوري مرتبطة به· ابتسمت أمام شدّة عناده وارتفعت أصابعي لتتحسس حدود هذه الإبتسامة التي كادت أن تستقبل أول غيث أحزاني· غريب أمر هذه الدوسيه، فملمسها يغوي الأصابع لتحسسها بالرغم من أنها، أو هكذا قيل لي، مصنوعة من جلد خنزير بري· التأمل يأخذ صاحبه دائماً الى فتح أبواب موصدة عليه في دورة حياته، فتصبح أجزاء من مكونات حيوان قبيح متوحش، مرسلٍ لإشارات عكس ما تحمله الذاكرة عنه· الذاكرة تستبدل بعض أثوابها بفعل لحظة تأمل لتؤسس لذاكرة جديدة، ربما تعارضت كلياً مع ما كانت قد خزنته في السابق· عادت هذه الدوسيه، من جديد، لتفرض علي بكل سلاسة، تماماً كملمسها، طرح تساؤلات غريبة وغير ملحة بطبيعتها· هكذا ظننت! فكيف يصبح حيوانا برياً، شرساً وقبيحاً، محفزاً لكل هذا الحد من اللطافة والقرب الذي فاق قرب جلدي لقلبي؟ وكيف لدوسيه صنعتها أيدي بشر لم يسمعوا ربما في حياتهم شيئاً عن هذه المنطقة من العالم أو ربما لم يتعاملوا يوماً مع أي خريطة ؟ 

الصفحات