رواية " والهمس لا يتوقف أبداً "، صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، للكاتبة الأردنية الدكتورة ليلى نعيم، تحكي الجانب الإنساني الفلسفي حيث اعتمدت فيها على أساطير الإغريق. نقرأ من هذه الرواية:
قراءة كتاب والهمس لا يتوقف ابدا
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
والهمس لا يتوقف ابدا
الصفحة رقم: 1
من الممكن استبدال المدن من المستحيل استبدال الأعماق
إنه الأحد والساعة هي الواحدة والنصف ظهراً· المسافة الصحراوية، ومن ثم الجبلية، أعلنت عن انتهائها مع بداية امتداد الأزرق على يمين السيّارة التي حملتني، وحملت الكثير من أشيائي في داخلها· عشرون عاماً من الزمن فصل بيني وبين هذا الشاطئ·
الزمن ظهراً، وشمس المتوسط متجبّرة في هذا الشهر· الخضرة على جوانب الطريق غطتها طبقات كثيفة من غبار، احتار أي الألوان القاتمة أن يستقر عليها: تأرجح بين الترابي، والبني المنحاز إلى السواد، بفعل السيارات التي تقطع هذا الطريق الساحلي بجرأة مستهترة، وبحضور عصبي، معلناً عن نفسه بأصوات نافرة، يشترك في صياغتها الحديد والبشر والإسفلت· تبدلت الصورة عما كانت عليه· الطريق لم يعد بكراً· فقد خجله السابق، وتلاشت تعرجاته، واضيقّ مساره، واستبدل واقعه، وبدا كأنه ترك عالماً رسمته يد الصغيرة دنيا وهي في الثامنة من عمرها في دفتر رسمها، ليعلن الآن، كما هي، بأنه أصبح ناضجًا، قؤياً، منفعلاً، واثقا من تخطيه لسن الطفولة والخجل·
بدا البحر بعيداً عني· مارد عاتب ضاع صوته في لجة اصوات الشاحنات وسيارات الأجرة والمصطافين· غريب أمر الأفكار! فجأة يصبح مسار طريق، اختطف كل جمال المكان، وجرد عمالقته من بحر وجبال وإنسان من حقائقهم، ليصبح خارطة أولى لقراءة زمن جديد· الشاحنات استولت بأعدادها المتدفقة وسرعتها وأصواتها على المشهد· أحسستها لفترة، كأنها جيوش من أرض العمالقة، خرجت لتوها من مغاوير الظلمات، مسعورة لالتهام العالم، بالرغم من حمولاتها المكدسة من حاويات شحن، سيارات متطابقة الأشكال غير مجمركة، وحمولات ضخمة من صناديق الخضار والفاكهة· تململ السائق· تنحنح نحنحة خافتة لم أستطع تحديد إن كانت بسبب أدب موروث بعدم ازعاج الركاب وقطع رحلات تأملاتهم، أم بسبب هزال جسده وابتعاد كل الكنوز المحتشدة في بطون الشاحنات عن مائدته· تخطتنا سيارة مصطافين ضخمة، منتفخة الدواليب والركاب والحقائب المثبتة على سقفها· خرجت من نوافذها روْوس وأيدي أطفال شديدة الاكتناز، ملوحة لنا وضاحكة على ما يبدو من غرابة سيارة الأجرة وسائقها الضامر· لحقت بها سيارة ثانية وثالثة بالمواصفات نفسها، وذات الازدحام الآدمي· تنحنح السائق من جديد ولمست ارتفاع في الصوت وتململ باتجاه الاستعداد للكلام· توزع نظري بين راكبي سيارات المصطافين ورأس السائق في انتظار نحنحة أخيرة، تسبق ما سوف يشاركني به من أفكار·