رواية " والهمس لا يتوقف أبداً "، صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، للكاتبة الأردنية الدكتورة ليلى نعيم، تحكي الجانب الإنساني الفلسفي حيث اعتمدت فيها على أساطير الإغريق. نقرأ من هذه الرواية:
قراءة كتاب والهمس لا يتوقف ابدا
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
والهمس لا يتوقف ابدا
الصفحة رقم: 9
إنني مرسل لك ملحقاً لهذه الرسالة فيه بعض تصورات لفيلمي القادم ومعه لا أدعوك هذه المرة لقضاء أشهر شتوية أليفة مع عجوزنا الطيب، بل طلب ملح بأن تقتربي من وريقات النعنع وسماع حكاياتها، فأنت، يا عزيزتي، الأقدر على هذه المهمة: ملامسة الصوت الدفين، حتى لتلك الوريقات التي تبدو مرتاحة في إقامتها الأنيقة وسط صحن لفنجان قهوة قديم، ينبىء عن زمن تمتع أصحابه بعيش أكثر رخاء وجمالاً من أحفادهم· ستجدين في الملحق فكرة، او بعض الأفكار المجنونة كما تسمينها دائما، والتي بالرغم من حكمك عليها بالجنون تستمتعين برعايتها وتركيزها·
قطع نظري الملحق بسرعة، فأنا أعرفه جيداً· قرأته ربما مئات المرات· توقف نظري فجأة عند بعض الأسطر التي عزلت نفسها عن بقية النص وجعلت كلمة ملاحظة تسبقها: أحلم بأن يصل صوت ما الى السماء· أعني صوت يشق السماء ويصل ربما الى قلبها· ربما عندها تصبح قادرة على سماع أصواتنا· نسيت أن أسألك عن أحوال صغيرتك، اعني صبيتك، وهل شبت أصابعها برفقة كمانها؟ أتعرفين سبب سؤالي عن أصابعها؟ انني أتخيل المشهد الأخير لهذا الفيلم: أرى مجموعات من الثائرين (ملاحظة:وجدت نفسي انظر بخشية حولي عندما فاجأني القلم وهو يكتب هذه الكلمة)، نعم أراهم يسيرون على رمل الشاطىء بانسياب ورشاقة، يسبقهم عازف يتأبط رأسه وعنقه كمانه وتتحرك يده وأصابعه في عزف لحن جريء الإيقاع، يرفع باشتداده تلك الأقدام بخفة، كأنه يحثها على الطيران، ناثرة من حولها رذاذاً من رمل الشاطىء الرطب· فجأة تصمت الموسيقى، وتصمت الحركة، وتتابع الكاميرا عود الكمان الطائر بسرعة صاروخ منطلق لتوه من محطة الفضاء ناسا في رحلة فضائية، لكن دونما اشتعال ليصل السماء· عندها يسمع صوت انفجار· ينتهي الفيلم بعد انقطاع الصورة بظهور مشهد لسماء تستعد بعض غيومها البيضاء الرقيقة لفتح أبواب شفافة· تأخذ الكاميرا في تقريب هذه السماء وعندها فقط، ولثانية واحدة قبل الإعتام، يسمع طيف صوت كمان ساحر من شدة ألمه·
ألا تظنين بأن هذه المحاولة ربما كانت الأكثر فعالية من أصوات القنابل والإنفجارات والطبول والزعيق الدائر بشراهة على هذه الأرض، والذي لم يصل بعد الى الأعالي؟ ألا تظنين ان السماء لا تقترب من القبيح وانها بحاجة، كما نحن، الى الحنون الجميل مما ابتدعته؟ هذا هو قراري: علينا أن نجتهد في اختيار الأجمل، للتضرع لابعاد الأقبح· لماذا لا تكون عازفة من تطلق الرسالة اللحن الى السماء؟
السماء ! ! !