رواية " والهمس لا يتوقف أبداً "، صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، للكاتبة الأردنية الدكتورة ليلى نعيم، تحكي الجانب الإنساني الفلسفي حيث اعتمدت فيها على أساطير الإغريق. نقرأ من هذه الرواية:
قراءة كتاب والهمس لا يتوقف ابدا
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
والهمس لا يتوقف ابدا
الصفحة رقم: 4
بدا زمنه قريباً جدًا مني· هل حدث هذا الإقتراب في هذه الليلة الأولى المجددة في قلب هذه الغرفة وفي قلب هذا الدير؟ تسمّرت قدماي بعدما كانتا قبل لحظة تتراقصان بسرعة وخفة وحيوية كحركة تلك الستارة المبتهجة· وبين حركة رقص شابة وتسمّر شابه ثقل تلك الحجارة القديمة، أخذت أصابعي تبحث عن حقيقة المكان: إطار النافذة، حبقه المتشابك مع ياسمينه، لحظات وربما أكثر بكثير، لتعود حدقتا عيني تتفتحان لتنتزعاني من تلك الحجارة وتطيرا بي عبر دروب منحدرة متعرجة لترميني في حضن أول أمواج البحر·
أفقت من غفوتي الواقفة على صوت قرع الباب ممتزجاً بصوت أم مريم:
- يا ست أم دنيا! وينك لهلق؟ التينات والصبرات قربوا يسخنوا ·
صوتها أعاد لقدمي الخفة واحساساً ببرودة ونظافة تلك الأرض الملساء الغير مستوية· حملتاني من جديد إلى مستوى الطيران ولكن بأتجاه الباب· بدأت أفتحه كلص ومن ثم أخذت أوسع فتحته وكأنها خيط حرير خفت عليه أن ينقطع· هي، أم مريم، أول من سأشاهد هذا الصباح من جملة بعض الأشخاص الذين لم أرهم منذ ذلك الوقت البعيد جداً· رأيت، ومن خلال الشق، دائرة شديدة البنيّة وسط حلقة بيضاء ورموش كثيفة مشدودة للخلف كنصف دائرة· حدقة مترقبة، تماماً كما أنا· من سترى من أولاً وعلى أي نحو؟ لم ترتفع قامتها بعد كل هذه السنين، لا بل انخفض مستواها· هذا ما أفهمتني به حركة عيوني التي اعتادت أن تستقبل أم مريم كل صباح وهي تحمل السلة والكف الصوفي السميك لقطع ثمار الصبير· قطعت خيط الحرير بشدة وسحبت دفة الباب لأتركه يطير الى أقصى زوايا الإنفتاح· احتضنتها كمن يلتف حول ذاته وعندها أحسست كم هي سخية عينا العنكبوت، عينا أم مريم· احتضنتها للمرة ·· لا أدري··· وتمنيت أن تقابل عيناي سخاء عينيها· أحاطت ذراعي كتفيها والتقطت يساري يسارها· رفعت يدها لأقبلها، فإذا بهذه اليد المتشققة تستريح لحظة عند مرمى التقاط الشم· سألت نفسي عما إذا كانت هذه رائحة الأرض أم رائحة الخبز الصباحي الخارج لتوه من طابونها· عندها فقط استطعت أن أسبقها بفيض من دموعي· سرت معها الى حافة السرير وجلست الى جانبها دون أن أقوى على فكّ حصاري منها· امتزج عرق الصباح بدموعها، ليستقر على بعض خلجان أنفها، وكأن السنوات أعربت عن إمتدادها في أرض هذا الأنف· أيتها الطيبة! قلتها في سري وتابع نظري حركة يدها وهي تودع سلتها الدائرية المتسعة القاع الى جانبها· لم تكن السلة فارغة بل استقر في جوفها شيئ دائري ملفوف بكيس بلاستيكي مخطط شبه شفاف·