يتناول الباحث الاردني محمد سواعي موضوع المصطلحات العربية الحديثة ونشوئها في كتاب (الحداثة ومصطلحات النهضة العربية في القرن التاسع عشر) وقد عالج المؤلف موضوع الحاجة الى مصطلحات حديثة بعد احداث تاريخية كان لها تأثير كبير في الحياة والثقافة العربيتين ومن ذلك
أنت هنا
قراءة كتاب الحداثة ومصطلحات النهضة العربية في القرن التاسع عشر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الحداثة ومصطلحات النهضة العربية في القرن التاسع عشر
الصفحة رقم: 3
ونِداءُ الشِّدياق الـمُوَجَّهُ إلى رِفاعة الطَّهطاوي الذي أَشَرْنا إِلَيّهِ في السُّطورِ السّابقَةِ، وكتاباتُهُ العَديدَةُ حَوْلَ هذا الـمَوْضوعِ قادَنا لِسَبْرِ غَوْرِ جَريدتِهِ الجَوائب للاِطّلاعِ عَلى الـمُفْرداتِ التي اِستَنْبطَها ذلك الكاتِبُ للتَّعبيرِ عن مَناحي الحياةِ الَجديدةِ التي بَدأت تَتَشكَّلُ نَتيجةَ اِتِّصالِ الـمُجْتَمعاتِ العَربيةِ مع الغْربِ· وَسَنُحاولُ في هذِهِ الدِّراسةِ تِبْيان مَدَى التِزامِهِ باسْتِعمالِ كَلِماتٍ عَربيَّةٍ لِـمَظاهِرَ حَضارِيَّةٍ اِزْدادَ إِلحاحُها عَلى هذِه الـمُجْتَمَعاتِ الـمُسْتَيْقِظَةِ مِن سُباتِها آنَئِذٍ· وسَنَتَتَبَّعُ في الصَّفحاتِ التّاليةِ مَدَى نَـجاحِ الشِّدياق، أوْ فَشَلِهِ، في التَّقَيُّدِ بالدَّعْوَةِ التي أهابَ بِها رِفاعة رافِع الطَّهطاوي للالتِزامِ باسْتِعمالِ مُصْطَلَحاتٍ عَربيَّةٍ، ولِتَجَنُّبِ اِسْتِعمالِ ألفاظٍ غَربيِّةٍ دَخيلَةٍ· وعليْنا التَّذكيرُ أنَّ الحَماسَ للعَربيَّةِ كان دافِعَهُ الرَّئيسَ لَدى المُدافعينَ عن العربيَّةِ كإبراهيم اليازجي وأحمد فارس الشدياق وغيرِهِما هو حُبُّ اللُّغةِ من بابِ مَقولةِ أبي منصور عبدالملك الثّعالبي من أحبَّ العربيَّةَ عُنِيَ بها وثابَرَ عليها وصرف همَّته إليها···(8)·
وبَرَزَ عِنْدَ الشِّدياق بُروزاً واضِحاً هاجِسُ اللغةِ والـمُفرداتِ اللازمةِ للتَّعبيرِ عن مُسَمَّياتِها في الأَعْدادِ الأُولى مِن جَريدتِه الجوائب الصّادِرةِ في إسْتَنبول في الحادي والثلاثين مِن شَهْرِ أيّار (مايو) سنة 1681م· ففي حَديثِهِ عن مُعاهدَةِالصُّلحِ في باريس بعد حَرْبِ القَرِم 1851م القريم، على حَدِّ ما نَصَّ الشِّدياق، وتَرْجَمةِ نَصِّ الـمُعاهَدَةِ للمَرَّةِ الأُولى مِن الفرنسيَّةِ إِلى العَربيةِ تـَحَدَّثَ عن صُعُوباتِ التَّرْجمةِ، وقارَنَ بين قَواعِدِ اللُغةِ العَربيَّةِ وقَواعِدِ اللُغاتِ الإفْرَنجيَّةِ، والفُروقِ بينها· وَتَمنَّى التّالي: ان تتكون جماعة من الادباء لاختراع كلمات ناقصة لخُرْمٍ في العَمودِ الذي كُتِبَت بِهِ هذِهِ الـمادَّة الالفاظ العلمية والاصطلاحية التى نجدها فى كتب الافرنج نحو التلغراف والغاز وما اشبه ذلك ···(9)· ويَعْتقِدُ الشِّدياق أنَّ بابَ النَّحْتِ في اللغةِ هو البابُ الـمُفضَّلُ لَدَيْهِ لاِخْتراعِ مِثْلِ هذِهِ الألفاظِ· ويَتَمَنَّى ما يَلي: ويا ليت اهل زماننا يتخذون منه اسماء ناصة على ما حدث من الاشياء مما لم يره اسلافهم اذا لاغناهم عن التعريب وكفاهم اختلاف التسمية··· فان اسلافنا هم الذين نهجوا لنا هذا الـمنهاج فاذا قفوناهم نحن واكثرنا منه فلا تثريب علينا فاما اذا جعلنا لها اسماء من باب الاضافة او النحت كما يقولون مثلا سفينة النار وميزان الهواء والنظارة الـمكبرة فانها تاتي مستطيلة ونحن الان فى زمن يقضى بالتخلق ويحض على الترقى والتحلق ويامر بالشارة وينهى عن الاستعارة فعلينا ان نفيد ونستفيد ونتتفع (كذا) ننتفع بكل من الحديث والعهيد ···(10)·
وسَوْفَ نَتَتَبَّعُ في هذِهِ الدِّراسةِ الألفاظَ التي اِسْتَعْمَلها الشِّدياق لِتَسْمِيَةِ بَعْضِ الـمُؤَسَّساتِ الحَديثةِ التي أخَذَت في الظُّهورِ في مُدُنِ الدَّوْلةِ العُثمانِيَّة والبِلادِ الخاضِعَةِ لها والتي تَشْملُ مَناطِقَ شاسِعةً مِن الأراضي العربيَّةِ، والـمُؤَسَّساتِ التي عَرَفَها الشِّدياق أَثْناءَ عَيْشِهِ في أوروبّا، أوْ مِن اِطّلاعِهِ عليها مِن خِلالِ الصَّحافةِ وعَمَلِهِ فيها· وسَوْفَ نُورِدُ هَذِه الألفاظَ كما وَرَدَت في كِتاباتِ الشِّدياق في جَريدةِ الجوائب التي تُبَيـِّنُ اسْتِعْمالَهُ لِكُلٍّ مِن هَذِه الألفاظِ· كما سَنَتَتَبَّعُ مُحاوَلاتِ الشِّدياق الجادَّةَ لِاسْتِنْباطِ اللفْظَةِ الـمُناسِبَةِ للتَّعبيرِ عن مُسْتَحدَثاتٍ حَضارِيَّةٍ أصبَحَت رَمْزاً مِن رُموزِ الحَداثَةِ في الدَّوْلَةِ، وأمْراً ضَروريّاً في حَياةِ العَديدِ مِن مُواطني الـمَناطِقِ النّاطِقَةِ بالعربيَّةِ، وخاصَّةً في الـمُدُنِ التي كان لَها عَلاقاتٌ تِجارِيَّةٌ، أوْ كانَ بِها مَراكِزُ إِدارِيَّةٌ لَها اِتِّصالاتٌ مُباشِرَةٌ مَعَ الدَّوْلَةِ العُثمانِيَّةِ ومُؤَسَّساتِها الـمُخْتَلِفَةِ في الحِقْبَةِ الزَّمَنيَّةِ التي اِسْتَمرَّت فيها الجوائب بالنَّشْرِ (1861-1887)· ولا يَخْفى أنَّ الجوائب كانت تَتَسَقَّطُ الأَخبارَ من الـمُدُنِ في الـمَناطِقِ التي كانَت خاضِعَةً للإدارَةِ العُثْمانيَّة وبِها جالياتٌ أَجنَبِيَّةٌ تُمارِسُ التِّجارَةَ بيْـنَ أوروبّا والشَّرْقِ، أوْ مِهَناً أُخْرَى كالـمُؤَسَّساتِ العِلْمِيَّةِ والتَّرْبَوِيِّةِ التي أَنشَأَتْها الإِرْسالِيّاتُ الدينِيَّةُ التي بَدَأَت نَشاطاتِها التَّـبْشيريَّةَ في الأَراضي العَربيَّةِ في العُقُودِ الأُولى مِن القَرْنِ التّاسِعَ عَشَرَ· ولَفهَمِ مُحاوَلاتِ هذا الكاتِبِ في اِسْتنباطِ مُفرداتٍ حَداثِيَّةٍ أصْبَحَ بَعضُها مُصْطَلحاتٍ مُتداوَلَةً في العربيَّةِ الـمُعاصِرةِ، وسَقَطَ الكثيرُ منها على مَرِّ السِّنين يَلزَمُنا الحَديثُ عن ما الـمَقْصودُ بِلَفظةِ مُصْطَلَح وجَمْعُها مُصْطَلَحات، والذي سَيَكونُ مَدارَ بَحْثِنا في الفَصْلِ التّالي·