يتناول الباحث الاردني محمد سواعي موضوع المصطلحات العربية الحديثة ونشوئها في كتاب (الحداثة ومصطلحات النهضة العربية في القرن التاسع عشر) وقد عالج المؤلف موضوع الحاجة الى مصطلحات حديثة بعد احداث تاريخية كان لها تأثير كبير في الحياة والثقافة العربيتين ومن ذلك
أنت هنا
قراءة كتاب الحداثة ومصطلحات النهضة العربية في القرن التاسع عشر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الحداثة ومصطلحات النهضة العربية في القرن التاسع عشر
الصفحة رقم: 5
مَدخَل لُغوِيّ
لَعلَّنا نُثْبِتُ شَيْئاً واضِحاً للقارِئ بِذِكْرِنا أَنَّ لفظَةَ مُصطلَح مُشْتَقَّةٌ من الفِعلِ الـمَزيدِ اِصطَلَحَ، العائِدِ للجَذْرِ الثُّلاثيِّ صلح ويَتَّفِقُ واضِعو الـمَعاجِمِ العَربيَّةِ على أنَّ مِنَ الـمَعاني الأَساسيَّةِ لِلفِعْلِ صلح السِّلْمَ، وعَكْسَ الفَساد، وزَوالَ الخِلافِ بين طَرَفَيْـنِ مُتنافِرَيْن، على الرَّغْمِ مِن اِخْتلافِ الرَّأيِ بينَهُم في لفظِهِ(1) ويَنْطبِقُ الـمَعنى الـمُتَعَلِّقُ بالسِّلْمِ وعَكْسِ الفَسادِ وزَوالِ الخِلافِ بين الأطراف، على الأفعالِ الـمَزيدةِ الأُخْرى من هذا الجَذْرِ· نَرى أنَّ ابنَ منظور في لسان العرب يُثبِتُ الفِعْلَ اِصطلحوا مُرادِفاً لـِ صالحوا وأصلحوا وتَصالحوا واِصّالحوا وكلها مُتَعَلِّقةٌ بـِمَعنى السِّلمِ وزَوالِ الخِلافِ· وفي ذاتِ الـمَعنى يَذْكرُ الأزْهري في تهذيب اللغة الأفعالَ تصالح واصّالَح واصطلح والغَريبُ في الأمْرِ أنَّ هذِهِ الـمَعاجِمَ لم تُورِدْ مَصْدَر اِصطَلَح ويُعْزى السَّببُ في ذلك إلى أنَّ الـمَعاجِمَ التُّراثيَّةَ كانت تَتَحاشى إيرادَ الأبْنيةِ القِياسيَّةِ الـمُتَواتِرَةِ كاسْمَيْ الفاعِلِ والـمَفعولِ، والـمَصْدَرِ، واسَمَيْ الزَّمانِ والـمَكانِ التي يُمْكِنُ اِشتقاقُها حَسْبَ القواعِدِ الصَّرْفيَّةِ الـمَعروفةِ لهذِهِ الأبْنيةِ· ولكنّا نَجِدُ اِسْتِثْناءً لهذا القَوْلِ، إذْ اِستَدْرَكَ مُرتضى الزَّبيدي في تاج العروس الـمَصْدَرَ اِصْطِلاح وعَرَّفَهُ كالتّالي: والاصطلاح اتفاق طائفة مخصوصة على أمر مخصوص قاله الخفاجي···(2)· وأوْرَدَ أحمد بن فارِس (920/918؟-1004م) في الصاحبي في فقه اللغة لَفْظَةَ اصطلاح بِهذا الـمَعنى في بابٍ سَمّاهُ باب القول على لغة العرب أتوقيف أم اصطلاح؟(3)· نَجتزئُ نَصّاً قَصيراً لابن فارس لِبَيانِ مَعنى هذِهِ اللفظةِ: لمْ يبلغنا أنَّ قوماً من العَرَب في زمانٍ يُقاربُ زماننا أجْمعوا على تَسْمِيَة شيْئٍ من الأشياءِ مُصُطَلِحين عليه، فكُنّا نستدلّ بذلك وعلى اصْطلاحٍ قد كانَ قَبْلهم · والرأيُ أنَّ اللغةَ وَحْيٌ أمْ اِصْطلاحٌ وَرَدَ في الخصائص لابن جنّي (ت· 392هـ/1001م)· ويَنُصُّ التّالي فيالإجابةِ على السُّؤالِ: هذا موضع محوج الى فضل تأمل غير أن أكثر أهل النظر على أن أصل اللغة إنما هو تواضع واصطلاح لا وحي (وتوقيف)···(4)· ولفْظُ اِصطلاح شائِعُ الاِسِتْعمالِ في الكِتاباتِ العَربيَّةِ التُّراثيَّةِ· يَلْزَمُنا أنْ نَذْكُرَ في هذا السِّياقِ أنَّ مُفرداتٍ كثيرةً اُسْتُعمِلَت في الكتاباتِ العربيَّةِ التُّراثيَّةِ للتَّعبيرِ عن الدَّلالةِ التي يَحْمِلُها لفظُ اصطلاح، نُورِدُ مِنها على سَبيلِ التَّمثيلِ لا الحَصْرِ الألفاظَ التّالِيةَ: كلمة وجَمْعَها كلمات كما في كتابِ الزينة في الكلمات الإسلامية لأحمد بن حمدان الرازي (ت· 322هـ/933م)؛ ولفظة وجَمعَها ألفاظ كما في ألفاظ الكُفر لمحمّد بن اسماعيل بن محمود بن بدر الرشيد (ت· 768هـ/1366م)؛ ومفردة، وجَمعَها مفردات كما في مفردات ألفاظ القرآن لراغب الإصبهاني (ت· 502هـ/1108م)؛ واصطلاح وجمعَها اصطلاحات كما في كشاف اصطلاحات الفنون للتَّهانوي (ت· بعد 1745م)؛ ومفتاح وجمعَها مفاتيح كما في كتابِ مفاتيح العلوم محمد بن أحمد بن يوسف الخوارزمي الكاتب (ت· 387هـ/ 997م)، إلخ · ويُزَوِّدنا بِدَلالةِ هاتيْنِ الـمُفْرَدتيْنِ كالتّالي: · دعتني نفسي الى تصنيف كتاب باسمه النابه مفاتيح العلوم أعلاه الله يكون جامعاً لـمفاتيح العلوم واوئل الصناعات: متضمناً ما بين كل طبقة من العلماء من الـمواضعاتوالاصطلاحات: التي خلت منها أو من جلِّها الكتب الحاصرة لعلم اللغة···(5)· ويُضيفُ أنَّه قد يَعْجَزُ عن فَهْمِ مُفرداتِ الكُتُبِ في العُلومِ والحِكْمةِ الفلسفة حتّى اللغوي الـمبرز في الأدب إن لم يكن مُمارِساً لتلك العُلومِ· ويُقدِّمُ مِثالاً على المواضعات بإيرادِهِ لفظةِ الرَّجْعَة التي تَعني أشياءً مختلفةً لعُلماءِ اللُّغَةِ، والفُقَهاءِ في الدِّينِ، والـمُتكلّمينَ من بعض الشيعة، على حَدِّ قَوْلِهِ، وكُتّابِ الدَّواوين، والمُنَجِّمين·