كتاب "ذاكرة الطين" - قراءة في دلالات النصّ السياسيّ والثقافيّ في العراق؛ هو إصدار فكري جديد، عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر للعام 2013، و إصداره هذا يقرأ تاريخ وحاضر العراق في جميع المراحل التي وصفت بأنها دموية وقد خلفت حزنًا تاريخيًا لا انقطاع له في ا
أنت هنا
قراءة كتاب ذاكرة الطين
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 7
في هذه السطور قراءة لجزء من الأسباب، وجزء من النتائج، وهي قراءة لا تعتمد بالدرجة الأولى على المراجع التاريخية ودراسة المراحل التي مر بها العراق فحسب، وإنما إلى جانب ذلك المعطى ثمة معايشة يمتزج فيها الهم اليومي والمتابعة اللصيقة للتفاصيل الماثلة للعيان، والتي تنبسط بوضوح أمام كل منصف ومحب ـ على الأقل ـ للإنسانية، والتي شهدت في العراق انتهاكا قل مثيله قديما وحاضرا، ومع ذلك أعترف بصعوبة إجادة وإتمام هذه الرؤية الثقافية الاجتماعية التاريخية السياسية الفنية والنفسية بسبب هذا التعدد والخليط الهائل الذي وجدت نفسي مندفعا لقول شيء ما فيه، بل إن هذه السطور كانت ولا تزال حديث الحياة اليومية في كل مجال قريب أو بعيد، حين ألقت الأحداث العراقية بظلالها على صفحات الجرائد والفضائيات التي دأبت على تسميتها بـ (الشأن العراقي) هذه التسمية التي ظلت تتقدم الأخبار بحسب عدد الجثث المترامية على الأرصفة وفي المطاعم والمقاهي والتجمعات الدينية بفعل التفجيرات الانتحارية من قبل مجهولين يموتون (في سبيل الله أو على أمل أن يصل في نفس موعد الغداء مع الصالحين···)!!
وفي كل مفصل من مفاصل التاريخ العراقي، ثمة سبب واحد للانحدارات الهائلة على غير صعيد هو (طريقة الحكم) بينما المجتمع، رغم كل الظروف الأكثر صعوبة، يسجل أروع الإنجازات البشرية ويمنحها للآخرين هدية التلاقي في الخلق·· إنه مجتمع الخصوصية الجغرافية (نهران ولا بحر) والخصوصية الحضارية (خمس حضارات ولا استقرار) ومجتمع التناقض المذهبي والديني، مجتمع الخدمة العسكرية الإلزامية عبر التاريخ، ومجتمع مرور الخديعة ضده، التي يدركها بعد فوات الأوان!! المجتمع المظلوم بامتياز، والذي اختاره هذا الحيز الجغرافي الغريب أن يكون فأر تجارب لمن يريد الحكم، ويأتي من يقول إن العراقي دائما في الضد من الحاكم! حسنا، والحاكم العراقي أيضا ودائما ضد مجتمعه! هذه المعادلة أسست طوال مئات السنين نظرة خارجية قاصرة لم يحاول البعض فهم جوانبها، مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف النفسية التي أدت إلى استمرار هذه الحالة وكأنها حقيقة ثابتة وعضوية من الداخل·· غير أنها أصبحت كذلك بفعل التراكم الزمني الذي يراد له اليوم عملية حك مضنية لاستخراج البياض الناصع، ودائما يبقى الرهان مفتوحا ما بقيت الحياة مفتوحة على كل احتمالاتها، بحيث ـ ربما ـ نشهد نحن أو الأجيال القادمة ذات يوم بلدا مزدهرا يعيش فيه الجميع وقد تخلى عن فكرة إلغاء الآخر، بل تخلى عن التباهي والتبجح بالقتل!!! ونشهد مجتمعا لا يتكبر على المرأة ويحط من قيمتها بأبشع الأشكال، ونشهد حاكما يتردد في قبول مهمة الحكم لأنها مسؤولية صعبة، ونشهد ـ ربما ـ مجتمعا لا يصفق للحاكم مهما نطق بالدرر والخطب العصماء، وربما نشهد ذات يوم بلدا يعيد النظر بجرأة، في تفاصيل كثيرة دافع عنها سابقا بفعل عمليات التجهيل المتواصلة، ونشهد مجتمعا لا يصدق ادعاءات الحاكم بأن الحلاج زنديق ولا بد من تقطيعه وحرقه! ولا يتآمر مع المأمون ضد أخيه الأمين، ولا يقف متفرجا على جلد أحمد بن حنبل لمجرد خلاف فكري حول خلق القرآن، ولا يصفق ويهتف في مشهد قتل بشار بن برد، ولا يصدق أن الخميني دجال، وأن الله خسف الأرض بقارون الكويت·· وإلى ما هنالك من الترهات والأكاذيب التي تقود الضمير الجمعي كالقطيع إلى المذابح، مخلفة طبقات من الجهل والتطرف والتمسك بمفردات تراثية بالية ليس لها مكان في متغيرات العصور···