كتاب "ذاكرة الطين" - قراءة في دلالات النصّ السياسيّ والثقافيّ في العراق؛ هو إصدار فكري جديد، عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر للعام 2013، و إصداره هذا يقرأ تاريخ وحاضر العراق في جميع المراحل التي وصفت بأنها دموية وقد خلفت حزنًا تاريخيًا لا انقطاع له في ا
أنت هنا
قراءة كتاب ذاكرة الطين
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 9
من هذا المعنى، ولأنني أحب بلادي، وأحبها أيضا، سوف أقول هنا إن بلادي نسيت أن تواكب الحداثة، كما نسيت ثقافة السلام، لقد تعرّض فيها ذلك التصالح الإنساني الذي علمته للآخرين على مر العصور، لجرحٍ في العمق··
ففي وطن الأنهار والجسور ثمة قتل! الأنهار تغلق وتُجفف، ويُحوّل مجراها، وتنكشف قيعانها، وتُمنع عن الظامئين بل وتغلق من المصبات، ثم يصب ما تبقى منها خارج الجغرافيا العراقية! أما الجسور فيهدمها التتار، ويعلق عليها البريطانيون رجال ثورة العشرين، وهي أيضا أول هدف عسكري للطائرات الأميركية في الحربين، ثم هي وسادة مائعة للموت الجماعي (على جسر الأئمة) كأن المشهد استدعاء بيئي متوارث···
لم يقرأ أحد الحزن العراقي جيدا، ولم يضع أحد يده على الجانب الإنساني لما خلفته الحروب، تلك التفاصيل الصغيرة، الكبيرة، والكثيرة، التي انشغل عنها الآخرون بالديون والحدود والحقوق السياسية، بينما لم يتذكر أحد معنى أن تُمنع أسرة من البكاء على قتلاها·· ونحو ألف وثلاثمائة كيلومتر كانت ولا تزال مفتوحة على ذاكرة الرؤوس المبعثرة بين الوديان وعلى ضفاف الأنهر، بينما الخطاب القاتل والتافه يطحن أرواحنا ويسمم لقمتنا بـ (صور من المعركة) وتلك الأسماء التي كرهناها لفرط ما اصطبغت بدم الأبرياء (البسيتين، سيف سعد، الفاو، شلامجة، يوم الأيام، أم المعارك، كل عراقي بعثي وإن لم ينتم، ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة، القادسية الفيلم والقادسية المهزلة، الجيش الشعبي وطريق الموت بين الكويت والبصرة، الحواسم··· الهروب الجماعي حد الخمسة ملايين والموت المجاني والمدن المحروقة) و··· ليس هذا هو المحور الأساس في هذه الكتابة! إنني أبحث حتى اللحظة عن فكرة مناسبة للإجابة عن السؤال: ما العراق؟
قبل الدخول في التقاطات مواضع الدم والموت في تاريخ بلادنا، لا بد من النظر إلى الضفة الأخرى، تلك المزهرة بالآدمية المفرطة، المطرزة برياحين العطاء والدعاء والصبر الجليل، ضفة الناس الذين يُقتلون ببسالة ويمنحون آخر قطرة من دمائهم لأهلهم وأرضهم، الناس الذين حوّلهم الطغاة إلى مادة للتندر، والذين كلما استقروا في فضاء الزمن قادهم حاكم إلى زواياه الضيقة، وحشرهم في مأزق جديد!
في ساعة لقاء عائلي حول التلفزيون تقول الصغيرة: لو أن العراق لم يحدث فيه هذا الذي يحدث، ترى من أكون؟ وأين؟ وكيف؟ وهل يمكن تخليص أهله من تركة الماضي البعيد والقريب؟
أين ذهبت كل تلك الحضارات؟ ولماذا لم تترك أثرها الإيجابي؟ وما كان يؤمل من التراكم الثقافي والمنجز الإنساني؟ وهل اعتادت بغداد على السقوط؟