كتاب "الربيع الأسود ثورة أم ظاهرة أم فصل جديد من فصول تجفيف الأمة؟"؛ إصدار فكري وسياسي للكاتب الإماراتي عبدالعزيز خليل المطوع.
أنت هنا
قراءة كتاب الربيع الأسود
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 1
استهلالة
{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} (2)
العصر هو الزمن بوعائه الشمولي الكامل، ما مضى منه وما هو آتٍ، والعصر أيضًا هو الجزء المشهود من الزمن أو الجزء الحاضر المعاصر منه؛ أما الإنسان فهو الجنس البشري، سواء أكان فردًا له استقلاليته ودوافعه وميوله وقناعاته الخاصة، أم كان مجتمعًا بشريّاً له خصوصيته وقيمه وتوجهاته التي تنظم حركته الحضارية والثقافية والفكرية؛ وبهذا التمادي في مدلول اللفظ باجتماع الكل الشامل والجزء المحدود في كلمةٍ مقتضبةٍ واحدةٍ تكتمل روعة البيان ويكتمل مشهد المعنى؛ ففي هذا الزمن أو في هذا الأمد المتقاصر والمتطاول، يختار الإنسان وهو بكامل إرادته وإدراكه، فردًا كان أم مجتمعًا، أن يمارس الحركة في دائرة الحياة بطريقةٍ مؤديةٍ إلى الخسارة، أو إلى عدم الخسارة؛ أي أن الإنسان هو الذي يقرر أثناء فترة اجتيازه هذا الممر الزمني، إن كان يريد أن تأتي النتيجة أو الحصيلة النهائية لحركته الحياتية، حركةً سلبيةً وحصادًا فاشلاً بلا مكتسباتٍ وبلا نتاجاتٍ وبلا إيجابياتٍ بنائيةٍ·
وكما أن الكُلّي والجزئي مستوعبٌ لحالات الزمان والإنسان، فإنه يبدو كذلك مستوعبًا لحالات الخسارة، لأن تكامل متلازمة الكلّي والجزئي يعني شمولية مكونات المشهد الحياتي المتحرك؛ وهكذا، فإن حضور الكُلّي والجزئي في هذه السورة الفذّة يكاد أن يكون صفةً لازمةً لها؛ فالفرد الجزء تكون خسارته في افتقاده لمعرفة حقيقة الوجود ولطمأنينة النفس، والمجتمع الكُلّ تكون خسارته في وقوعه في المآزق والأزمات والانهيارات والكوارث أثناء رحلة بحثه عن المنهج النموذج؛ وكما أن الخسارة الدنيوية الجزئية تكون باجتناء الأمراض النفسية والأخلاقية، فإن الخسارة الأخروية الكُلّية تكون بالخلود في الجحيم، وفقدان فرصة الخلود الأبدي في النعيم·
{إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}
ولكن هذا الإنسان الخسور، ما تزال عنده فرصةٌ أو منحةٌ استثنائيةٌ لتفادي تلك النتيجة السلبية البائسة، إذا استطاع أن يمارس حركته في دائرة الحياة وضمن الوعاء الزمني نفسه بطريقةٍ مختلفةٍ، طريقةٍ مؤديةٍ إلى الفوز أو الربح؛ إنها فرصةٌ مشروطةٌ بالالتزام بمسارٍ عقيديٍّ ومنهجيٍّ وحركيٍّ موصلٍ إلى اكتساب الإيمان الحقيقي، وموصلٍ إلى إتيان العمل المنتج المثمر الذي به تتحقق مكتسبات ونتاجات وإيجابيات الحصاد الناجح؛ كأن العناية الإلهية باستخدام أدوات القَسَم والتوكيد والاستثناء، ترشد الإنسان الفرد والإنسان المجتمع إلى محدودية الاختيارات الصحيحة المفتوحة أمامه، وتدلّه إلى المنفذ التغييري الصائب الوحيد للخروج من الحلقة الخسائرية، إذا استطاع أن يستخدم مفاتيح الإيمان وعمل الصالحات، وإذا استطاع أن يتواصل مع بني جنسه بعلاقة التواصي من أجل فتح مغاليق تلك الحلقة المُحكَمة الإغلاق·