في راوية "العباءة"؛ المدينة تغالب نعاسها وتغني ، تستيقظ فيها الحياة صباحاً ، ترقص مع اندفاع السيارات رقصة آلية .، بينما يغط البحر خلف المباني المتراصة مثل تنين نائم .
أنت هنا
قراءة كتاب العباءة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

العباءة
الصفحة رقم: 1
(1)
من إحدى شرفات الطابق السابع أعلى البناء، وقفت، تتأمل الشـارع الذي شقّ طريقه بين البنايات وزينته مصـابيح صـفر على مد البصر، فغدا كأفعى سوداء مبقعة بالأصفر تزحف بين مجموعة صخور متباينة الحجم واللون·كانت عيناها تستجدي أي وجود إنسـاني يكسـر حدة الوحشة التي سكنتها· تجلس على طرف طاولة خشب دائرية توسطت شرفتها وتسرح بأفكارها غربًا، تتذكر رحيلها عن أهلها نزولا عند رغبة زوجها، فقد رأى أن تحسـين المعيشة لن يكون إلا بالانتقال إلى شـرق البلاد، يومها رفعت صوتـها بوجهه رفضًا، لكنها تحت تأثير أمره الصارم الذي لا يمكنها تحديه، استسلمت وحملت طفليها إلى هذا البـلد الغريب كما كـانت تصفه لزميلاتها في المدرسة·
ترفع عينيها فيما وراء البنايات فترى الأرض في البعد رملاً أبيض أحاطته مستنقعات مائـية زرقاء، وتزيّنت مساءاته بقمر كريستالي، اختار هذا الكوكب البيضاوي الأزرق ليدور حوله· شيءٌ ما جعله يلقي بضـوئه الفضيّ على الرمل لعله يكتشف سـر هذه الجاذبية التي تركته في مسـافة قريبة منه، دون أن تتاح له الفرصة أن يقترب أكثر، لأن الأرض ببساطة تضجّ بمائها بمجرد محاولته الاقتراب، ومن أرض متوسطية ولدت هذه المدينة· تفجرت بصعوبةٍ بالغة، ورويدا ظهرت أجزاء جسـدها الصغير طريّة ومشـوهة كمولود خديج، لها رائحة أشبه بالمعقمات التي ينتجها مصنع بتروكيماويات وحيد في طرفها القريب من البحر، ومع الوقت كبرت المدينة وزادتها التفاصيل جمالاً· توسط المصنع الأحياء الجديدة دافقًا فيها حياة مختلفة كل مرة، وتناثـرت حوله بيوت صـغيرة أخذت تكـبر على رائـحة الاحتراقات الدائمة وحرارة الشمس اللاذعة التي تعسِّر النظر، تقطع الأنفاس، وتزداد صيفًا لتلهب الأجساد الصغيرة التي انتشرت كنمل في المكان·
يشدّ انتباهها اقتراب سـيارة من العمارة، تنظر إلى الأسفل وتراه يخرج منها مسـرعا· تدخل شقتها وتغلق زجاج الشرفة وراءها· ترشّ القليل من عطر الليمون في الصالة، وتنتظر· بعد دقائق تذهب خلف الباب لعلها تفاجئه بعناق يحـلّ الخلاف الصباحي بينـهما، ثم تتراجع عن الفكرة حين تتذكر ردّات فعله غير المتوقعة من قبل·
تعود للصالون، تتناول مجلة كانت مرمية على الطاولة، دافنةً عينيها بين سطورها بافتعال واضح·