آخر المطاف
أنت هنا
قراءة كتاب آخر المطاف سيرة وذكريات
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 7
وكنا شباباً نملك شعوراً وطنياً غير مسيس ولا منتمين لفكر ٍ معين نشارك في التظاهرات والحركات الوطنية وأذكر في إحدى التجمعات الجماهيرية في الرمادي هَتَفتُ لفلسطين العربية فأسكتني من هم أكبر مني سناً, وطلبوا أن أرفع شعاراً مطالباً بالخبز, وعرفتُ فيما بعد أنهم شيوعيون, كنت أحمل في أعماق نفسي شعوراً دينياً ويوم ذاك كان الالحاد متفشياً والأفكار المناهضة للدين مسيطرة على أذهان الشباب ولا سيما المثقفون, لم أكن أصلِ الأوقات الخمسة ولكنني أصلي الجمعة فقط, وكانت والدتي أمية ولكنها كانت تصلي الصلوات الخمس ولم يحثنا معلمو الدين على الإلتزام بالصلاة ولم يكن هناك مصلى في أي مدرسة, ولايوجد في الرمادي المحافظة سوى مسجد واحد في وسط السوق, ولا يأمه سوى نفر قليل من الموظفين ولا يتجاوز عددهم أصابع اليد, أما الشباب فلا أحد منهم يأم المسجد, وكان جميع المصلين من الكهول والشيوخ, وحال الريف أسوأ فلم تكن هناك مساجد في الريف إطلاقاً, وليس للعلماء أي نشاط ديني سوى أقامة الصلاة في المسجد وخطبة الجمعة, وليس هناك إقبال على التعليم الشرعي, وكان أغلب طلبة العلم الشرعي هم من الشباب الذين لايريدون أن يلتحقوا بخدمة العلم (التجنيد الاجباري), ولم تكن هناك دعوة دينية, ولا ثقافة إسلامية, ولا كتب دينية, أو فكرية إسلامية, ولا إعلام أوصحافة إسلامية, وكانت هناك جريدة واحدة تنشر شيئاً من ألأفكار الدينية وهي جريدة (السجل) لصاحبها محمد طه الفياض العاني, وتدافع عن مذهب أهل السنة, وكانت هناك جرائد سياسية تمثل إتجاهات مختلفة مثل جريدة الحرية لصاحبها قاسم حمودي والد القياديين في حزب البعث (جعفر وسعد حمودي), وهي تمثل التوجه القومي العربي, وجريدة الاستقلال الناطقة باسم حزب الاستقلال، وجريدة الأهالي الناطقة بلسان الحزب الوطني الديمقراطي الذي يرأسه كامل الجادرجي وتمثل التوجه اليساري وجريدة البلاد لصاحبها روفائيل بطي .
وكانت الأفكار الشيوعية واليسارية تغزو أذهان الشباب مع وجود حركة قومية عربية قوية يقودها حزب الاستقلال برئاسة محمد مهدي كبه, وليس غرضي أن اُفصّل القول في الحياة السياسية في تلك الحقبة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية, والتي سبقت ثورة 14 تموز وإلغاء الملكية وإعلان الجمهورية, ولكنني أريد فقط أن أبين ضعف الحركة الإسلامية سواء منها الجانب الديني التعبدي أو الجانب السياسي وكان الفكر الشيوعي واليساري قد تغلغل في أوساط الشباب المثقفين, ولما كنا طلاباً في المرحلة المتوسطة أي بعد الإبتدائية في ثانوية الرمادي, كان هناك مع قلة عدد المدرسين خمسة مدرسين شيوعيين أو يساريين, أذكر منهم الشاعر عبد الوهاب البياتي, والشاعر بدر شاكرالسياب, قبل أن يتحول إلى التوجه القومي العربي, والمدرس ممدوح الآلوسي الذي قتل صبيحة يوم 14رمضان سنة 1963لما حدث انقلاب عبد السلام عارف على الزعيم عبد الكريم قاسم, ومدرس الرسم نوري الراوي (وهو شخصية فنية معروفة، وهو غير نوري الراوي وزير الثقافة في حكومة الدكتور إياد علاوي ) وكان يأخذنا في درس الرسم خارج المدرسة, بحجة رسم الطبيعة, وعند ذلك يخلو بالطلاب ليحدثهم عن الديمقراطية والوطنية, دون أن يصرّح بالأفكار الشيوعية, وقد تأثر جل الطلاب به, وكنت ومجموعة من الطلبة لا يتجاوز عددنا أربعة طلبة, لا نشارك في الاستماع إلى المدرس أو المشاركة بالنقاش, فلم نتأثر بالأفكار السياسية اليسارية أو الشيوعية.