أنت هنا

قراءة كتاب حز القيد

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
حز القيد

حز القيد

تدخل رواية "حز القيد" في جنبات حياة الإنسان، كما تدخل خيوط النور خلسة بين فتحات الشبابيك..

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 5
وذات ليلة شـؤم، دعاني سعد لمرافقته لمشاهدة فيلم كان يعرض في دار السينما بوسط المدينة· لا أدري أي إبليس وسوس له ليختارني أنا دون سواي، لاسيما أن علاقتي به لا تختلف كثيرا عن علاقات من التفوا حوله، ولعلها أقل، وإن اختلفت الدواعي وتعددت الأسباب! فمنهم من أراد الاستفادة من ثقافته وعلمه، وتقرَّب بعضهم إليه إعجابا بشخصيته وحضوره، وآخرون لأهداف وغايات لم تكنْ واضحة حينئذ·
 
وما زاد من غرابة تلك الدعوة المشبوهة دخول شخص أثناء عرض الفيلم، لم يسبق لي رؤيته - أقول المشبوهة لا تجنيا وإنما تأكيدا على أنها وراء ما أصابني، وما وقع عليّ من ضيم وظلم - تبادل ذلك الشخص الهمس مع سعد وخرج، وتبعه سعد بعد أن اعتذر بداعي إجراء مكالمة من الهاتف العمومي في بهو مبنى السينما· عاد·· لا لمواصلة مشاهدة الفيلم، وإنما ليعتذر· قال إنه لا يستطيع، لأسباب طارئة متابعة العرض، وأكد اعتذاره حين شدّد أن الأمر لا يحتمل التأجيل!
 
وقبل انتهاء الفيلم بوقت قصير توقف العرض، ودخل الصالة عدد من الرجال·· بعضهم عسكريون وآخرون مدنيون· تحققوا من البطاقات الشخصية للموجودين، ثم خرجوا· لم يكن الموقف غريبا ولا كان مثيرا للشك، فلقد اعتدنا على مداهمة رجال الأمن أماكن تجمع الجمهور، بحثا عن مطلوبين في قضايا جنائية أو ما شابهها من أسباب·
 
بيد أنه، وعلى خلاف ما جرى لمن كانوا معي في الصالة، أخذ الشرطي بطاقتي لشخص آخر كان يقف عند المدخل· كان أكبرهم رتبة كما بدا من تصرف الآخرين إذا اقتربوا منه أو تحدثوا إليه· ظل ذلك الرجل ينظر إليّ أثناء حديثهما، لكنه سرعان ما أعاد البطاقة إلى الشرطي، الذي سلمها لي وهو ينوه بضرورة تجديدها في أسرع وقت ممكن· اعتذرت، وشكرته على ملاحظته·
 
***
 
ما كنت أجهله منذ أن تعرفت على سعد، وأصبح كابوسا مخيفا جثم على صدري خلال ليال كثيرة بعد ذلك، اتضحت حقيقته عقب حادثة السينما· فالأيام التالية جاءت حبلى بالمفاجآت·· وأية مفاجآت!
 
فقد امتلأت جدران منازل المدينة والأماكن العامة بملصقات تحمل صور سعد وآخرين غيره ـ بينهم عدد من عمال الشركة ـ متهمون بتشكيل تنظيم سري مناهض للنظام، ويسعون إلى تغييره بقوة السلاح·
 
هذه الملصقات دعت المواطنين إلى التعاون مع أجهزة الاستخبارات للقبض عليهم، وأعلنت عن رصد مبالغ مالية متفاوتة القيمة ـ حسب أهمية كل واحد من المطلوبين ـ مكافأة لمن يقبض عليهم أو يدلي بمعلومات تسفر عن اعتقالهم· وكان لسعد وبعض من معه نصيب الأسد من هذه المبالغ·
 
كما أفاضت جرائد قحطين بأخبار وبيانات كشفت المزيد عن طبيعة هذه المنظمة وأهدافها ومن يقف وراءها· ففي افتتاحية جريدة (قحطين اليوم)، أشار كاتب الافتتاحية إلى سطحية الأفكار والمبادئ التي تنادي بها الحركة وسخر من الشعارات والأهداف التي تتبناها، ونعت من يقف وراء تلك الحركة بالكفر· في حين قال كاتب آخر إنهم ملحدون، ولا يقيمن للدين والقيم الاجتماعية اعتبارا·
 
وأثارت جريدة أخرى قضية أسمتها (الفتنة) التي كادت تقع لولا يقظة رجال الاستخبارات، وطلبت من المواطنين أخذ الحيطة من اندساس هؤلاء المخربين بينهم، وحذرت من مغبة إيوائهم والتستر عليهم·
 
***
 
سبق كشف المنظمة واعتقال بعض عناصرها انتشار ظاهرة لم تألفها المدينة من قبل، فقد أصبحت جدران المنازل والمباني القبلة الصباحية للكثير من سكان المدينة·· يقرؤون شعارات ورسائل تحريضية تذكرهم بحقوقهم المسلوبة وحريتهم المرتهنة لإرادة بضعة أفراد أعطوا أنفسهم حقا وإرادة مطلقة دون سائر الناس، ووضعوا أنفسهم في مراكز لا تخضع لقانون ولا يطالها مطالب!
 
لم تكن تلك الكتابات مجرد شعارات وأفكار، ولا كانت تطرح آراء لا تمت لمعاناة الناس بصلة، ولم يكن فحوى الكتابات عفويا، لاسيما أن أسلوب كتابتها ينم عن طرح تحريضي يرتكز على وعي ودراية بكيفية استفزاز شعور الجماهير وحشد غضبها·
 
كانت الكتابات تذكِّر الناس بجشع التجار، وتواطؤ النافذين في المؤسسات العامة مع الشركات التي تستغل حاجتهم، وتحتكر حركة البيع والشراء حتى في أبسط أشكالها· وكان بعضها يشير إلى تفشي الأمراض نتيجة سوء الخدمات الصحية، وتدني مستوى التعليم· ومثلما كانت تركِّز على الهموم اليومية لقطاعات واسعة من الشعب·· لاسيما الأقل حظا في الحياة، كانت تطالب أيضا بفسح المجال أمام الفئات المؤهلة والمثقفة للمشاركة في عملية صنع القرار!

الصفحات