كتاب "القضاء والقدر في حياتنا" للكاتب والمؤلف د.
أنت هنا
قراءة كتاب القضاء والقدر في حياتنا
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 4
بـدايـة الإختـلاف في القـدر
لم تجتمـع آراء العلمـاء على فهـم واحـد للقضـاء والقـدر، كـان هنـاك آراء، ولكن انقسـمت الآراء إلى طريقين بـارزين واضحيـن، وقـد عـزز كل منهمـا رايـه بـآيـات كـريمـة وأحـاديث شـريفة ومفـاهيـم في تلك الآيـات والأحـاديث وتفـاسيـر يقبلـها النص الـذي يسـتـشـهد به؛ والذي يهمنـا الآن معـرفة شـئ عن هـذا الإختـلاف ومظـاهره.
لم يبدأ الخـلاف بانتقـال الرسول إلى الرفيـق الأعلى، وإنمـا بدأ في حيـاته وسـمع خـلاف أصحـابه، واستمر بين أصحـابه بعـد وفـاته. واختلفت الآراء واختلفت تفـاسـير المـواقف، ولكن ظـل المـؤمنون مـؤمنين، وظل المسـلمون مسـلمين، ولم يكفـر النبي أحـدا؛ وهـذا هـو البيـان:
أ – الإختـلاف في عهـد النبي :
1. روى التـرمـذي وروى ابـن مـاجـة أيضـا أن رسـول الله () سمـع أصحـابه يتجـادلـون في القضـاء والقـدر فغضب منهـم واحمـر وجهـه كـأنما فقئ فيه حب الرمـان فقـال: " أبهـذا امـرتم، أم بهـذا أرسـلت إليكـم، إنما هلـك من كـان قبلكم حين تنـازعـوا في هـذا الأمـر، عـزمت عليـكم ألا تنـازعـوا فيـه ".
2. وروى مسـلم في صحيـحه: عـن أبي الأسـود الـدئـلي قـال: قـال لي عمـران بن حصيـن رضي الله عنـه: أرايت مـا يعمـل الناس اليوم ويكـدحـون فيـه أشـيء قضي عليـهم ومضـى عليهـم من قـدر ما سـبق أو فيمـا يسـتقبلون بـه ممـا قـد أتـاهم بـه نبيهـم () وثبتت الحجـة عليهـم؟ فقلت بـل شـيء قضي عليـهم ومضى عليـهم، قال: فقال: أفلا يكـون ظلمـا؟ قال: ففـزعت من ذلك فـزعا شـديـداً وقلت: كل شيء خلق الله وملك يده فلا يسـأل عمـا يفعـل وهـم يسـألـون، فقال لي: يـرحمـك الله إني لم أرد بما سـألتك إلا لحـرز عقلك. إن رجلين من مـزينة أتيـا رسول الله () فقـالا يا رسول الله أرأيت ما يعمـل الناس اليـوم ويكـدحـون فيـه أشيء قضي عليـهم ومضى فيهم من قـدر قـد سـبق أو فيمـا يسـتقبلون به مما أتاهم به نبيهم وثبتت الحجة عليهم، فقال: لا بل شيء قضي عليهم ومضى فيهم وتصديق ذلك في كتـاب الله (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ).
(ونفس وما سـواها فألهمـها فجـورها وتقـواها)
ب – الإختــلاف بعـد وفـاتـه :
1. أراد عمر بن الخطـاب رضي الله عنـه أن يـدخل بـلاد الشـام وكـان قـد أصـابها الطـاعـون في ذلك العـام ولم يعـلم عمر بـذلك، فلمـا اقتـرب من دمشـق علم بخبـر الطـاعـون من الصحـابة الأجــلاء كمـا ذكـر ابن عبـاس وكان عمر عنـد ذاك في مكـان إسـمه سـرغ، فاستـشار أمير المـؤمنين الصحابة أيـدخلـها أم لا، فـرأوا جميعـا ألا يـدخلهـا فقـال لصحبـه: إني مصبـح على ظهـر فأصبحوا، فقـال أبو عبيدة افـرارا من قـدر الله إلى قـدر الله؟ فقـال عمر: لو غيـرك قـالها يا أبا عبيـدة، وكـان عمر يكـره خلافـه، ثم قال: نعم نفـر من قـدر الله إلى قـدر الله أرأيت لـو كان لي إبـل فهبطـت واديـا له عـدوتـان إحـداهمـا خصبـة والأخـرى جـدبـة أليـس إن رعت الخصبـة أو الجـدبة رعتـها بقـدر الله)( ).
إذن الخـلاف بين قطبـين من اقطـاب الإسـلام، ولهمـا في الصـحبـة بـاع طـويـل وتـاريـخ حـافـل، وهمـا الآن على خـلاف في القضـاء والقـدر وشـرحـه وتفسـيره، ولم يـرفع احـدهمـا صـوته أو درتـه أو سـيفه، ولم يتـراشـقا التهـم، إنـه فهـم لمـوقـف.
وجـاء عبد الـرحمن بن عـوف وعـرف ما يتجـادل الناس فيه، فقال: (إن عندي من هذا علما، سمعت رسول الله يقول: إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بـها فلا تخـرجـوا فـرارا منه، فحمـد الله عمر بن الخطاب وأثنى عليه)( ).
2. مـعـبــد الجهنـي: يرد ذكر هذا الرجل في كتاب صحيح مسلم بشرح النووي، قال النووي انه هو اول من تكلم في البصرة بالقدر فسلك اهل البصرة بعده مسلكه، وفسر ابو السعيد التميمي عبارة (اول من تكلم بالقدر) بقوله: انه من نفى القدر وخالف الصواب الذي عليه اهل الحق، وقال النووي (واعلم ان مذهب اهل الحق اثبات القدر ومعناه ان الله تبارك وتعالى قدر الأشياء في القدم وعلم سبحانه انها تقع في اوقات معلومة عنده سبحانه وتعالى وعلى صفات مخصوصة فهي تقع على حسب ما قدرها سبحانه وزعمت القدرية انه سبحانه لم يقدرها ولم يتقدم علمه سبحانه وتعالى بها)( ).