أنت هنا

قراءة كتاب القضاء والقدر في حياتنا

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
القضاء والقدر في حياتنا

القضاء والقدر في حياتنا

كتاب "القضاء والقدر في حياتنا" للكاتب والمؤلف د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: دار المأمون
الصفحة رقم: 7
ب – الـرأي الثـاني:
 
هذا الرأي مختلف جـدا عن الـرأي الأول، له تاريخه الخاص به، ولكنا لسـنا بصدد تاريخ أو فرق معينة، ولكننا نريد الرأي الذي له غلبة قوية ويقف بارزا بقوة أمام الرأي الاول. وخـلاصـته هي: إن الله تعـالى خلـق الخـلق، وأسـكنهم في الأرض ليـعبـدوه ويعمـروها، وأعطى الإنسـان الحـرية في اختيـار أفعـاله لا قهـر في ذلك ولا اجبـار، وأمـره بأوامر ونـهاه بنـواه وهذا هو التكليف. وقد بني على ذلك الثـواب والعقـاب، فمن آمن فقـد اختـار لنفسـه الإيمـان، ومن كفـر فقـد اختـار لنفسـه الكفـر، وكل ذلك يقـع ضمـن السـنن الكـونية التي وضعهـا الله تعـالى لخلقـه، ولا خـروج عن أي سـنة منها.
 
ويحــدد أصحــاب هـذا الـرأي معنـى القضــاء والقـــدر بمــــا يــلي:
 
يقـولون إنـه الأشـياء التي ليـس لك فيهـا يـد ولم تفـرضها لنفسـك ولا تتحـكم بهـا، وإنمـا فـرضـت عليـك فـرضـا. فصـورتك الحـالية من طول أو قصـر من بيـاض أو سـواد، من لسـان طليـق أو متعـثر، من الـذكـاء الخـارق أو الـذكـاء المتـوسـط، من طـول في العمـر أو توسـط أو قصـر، من رزق واسـع أو مقطـوع، إنـه كلـه سـبحانه وضـعه وقـدره ولا نملـك فيـه التغيـير والتبـديل، إنـه هـو القضـاء والقـدر.
 
ورأي أصـحـاب هذا المـذهب في القضـاء والقـدر، أن الله كتب مقـاريـر الأشـياء قبل خلـق السـموات والأرض تعبيـراً عن علمـه تعالى بكل ما سـيحدث إلى قيـام السـاعة. فلا يحـدث شـيء في الملكـوت إلا بعلمه، وقـد علم سـبحانه ما سـيكون من الإنسـان باختيـاره من هـدى أو ضـلال، وخير أو شـر، وليـس في علمـه تعـالى أي معنى من مـعاني الإلـزام والقـهـر والإجبـار. ويتـرتب على افعـال الإنسـان محاسـبته، فإن كـان خيـرا فـخير، وإن كـان شـرا فشـر، فيـدخل الإنسـان الجنـة بعمـله أو يـدخل النار بعمـله.
 
وهنـاك آيـات كثيـرة وأحـاديث كثيـرة يسـتند إليهـا أصحـاب هـذا المـذهب، فيتـلون قوله تعالى: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ)، ويتلون قوله تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ)، ويتلون قوله تعالى: (ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ)؛ ويتلون قوله تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) وقوله سـبحانه: (ﯓ ﯔ) ، وقوله سـبحانه: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) ، وقوله سـبحانه: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) ، وقوله سـبحانه: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ).
 
ويتـلون الأحـاديث الشـريفة التي تـرتب على العمـل الجـزاء، قال رسـول الله : "إن أبـواب الجنة تحت ظـلال السـيوف"، وذلك يعني أن من يقاتل في سـبيل الله يدخل الجنة، وقـال أبو هـريرة: قال رسول الله : " تضمن الله لمن يخـرج في سـبيله لا يخـرجه إلا جهـادا في سـبيلي وإيمـانا بي وتصـديقا برسـلي فهو علي ضـامن أن أدخلـه الجنة، أو أرجعـه إلى مسـكنه الذي خـرج منه نائلا ما نـال من اجـر أو غنيمـة " ( )... إلى آخر الحديث.
 
يقـولون إن هذه الآيـات وتلك الأحـاديث تـدل على التكليف المبـاشـر للإنسـان، وإن الإنسـان هو الذي يفـعل أو يتـرك، ومثـل ذلك مئـات الآيـات ومئـات الأحـاديث التي يبـدو فيهـا بجـلاء لا يقبـل الجـدال أو الحـوار أن الله تعالى يأمر أو ينهى البشـر ويـرتب على أعمـال الناس الجـزاء، يأمـر الناس بالصـلاة والزكـاة وحسـن الجوار وصلـة الرحم، فمنهم من يسـتجيب ومنهم من لا يستجيـب، ويرتب سبحـانه بأقـواله الكريمـة أو اقـوال نبيـه  الجـزاء على الأعمـال، فكيف يجـوز أن يفكـر مسـلم بان كل هذه الآيـات قابلة للتأويل، أو لا بد من تأويلها ليصـح التقـاؤها مع الـرأي الأول القـائل بأن الله تعالى خلق أفعال العـباد، ويقـولون إذا حسـن أن نؤول في الشـيء النـزر اليسـير فلا يحسـن التأويل في القـرآن في معظمـه، إذن الإنسـان مأمـور ومنهـي وله حـرية الإختيـار بين الطاعة أو المعصية، والله سـبحانه وتعالى أكرم الإنسـان بهذا الإختيـار، وقال تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ)، فإذا كانت المخلوقات جميعـها لا تملك الإختيـار والإسـتجابة أو عـدم الإسـتجابة فإن الإنسـان فضـل على جميـع المخـلوقات بركـوبه ورزقـه الطيب وتفكيره واختيـاره أفعـاله؛ فإن الـدواب مسـخرة في اتجـاه واحـد، ولكن الإنسـان يؤمن ويكفـر، يفعـل ويتـرك، فلأعمـاله اتجـاهان وهذا مميـز عام له في سـائر حيـاته وسـائر عملـه.
 
الخـلاصـــــه:
 
إن الـرأيين متعـارضـان جـدا، متنـاقضـان تمـام التنـاقض، ولكـل مسـوغاته، ولكني أتسـاءل لماذا لم يأخـذ كل طـرف حجـج الطـرف الأخـر ليحـاوره فيهـا. إن الآيـات التي تـدل على إلـزام الإنسـان بأفعـاله متعـددة، فيجب دراسـتها وكشـف معـانيها، وبيـان أنهـا لا تطـابق الفكـرة المسـتخلصة، وأنهـا آيـات فهمـت على غيـر الـوجه الحـق. وعلى الفـئة الاخـرى مثـل ذلك، اي عليـها أن تسـتحضر تلك الآيـات التي يسـتـشـهدون بهـا لتـبـين أن مـعانيها وتفسـيراتها لا تعـزز آراءهم، لو توقف كل فـريق عنـد الآيـات كلـها التي يــستـشهد بها عند هـؤلاء وهـؤلاء لما وقـع هذا الخـلاف، لـكن الفـريق يـسـتند إلى بعض الآيـات ويترك الأخـرى فيـقع الإشـكال.
 
إن هذه الصـفحات تتـناول جميـع الآيـات المتعـلقة بالإختيـار أو خلق افعـال العبـاد التي وردت عنـد الفريقيـن، وتسـتخلص النتائج من النظر إليهـما جميعـا؛ ولا تتغـاضى عن آيـات قـد تـؤدي لنقض الـرأي كمـا لا تتغـاضى عن آيـات تـؤدي إلى تـعزيـز الـرأي. عليـك بهـذه الصفحـات تـدرسـها جميعهـا، ولـدى البـاحث ثقـة أن هـذه الـدراسـة الشـاملة سـتؤدي إلى رأي واضـح له علتـه ووجـاهتـه ويتنـاسـق مع قـوله : " تـركتـكم على المحجـة البيضـاء ليلـها كنهـارهـا ".

الصفحات