المجموعة القصصية "باب العامود" للكاتب سمير الجندي، احتوت على ستّ وعشرين قصة، خطها الكاتب بقلمه المقدسي، راسمًا في كل منها لوحة تصور ملحمة الأرض والإنسان.
أنت هنا
قراءة كتاب باب العامود
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
باب العامود
الصفحة رقم: 3
خبر عاجل
أَستيقظ قبل تثاؤب الشمس. أَتململ بين أفكاري المتدفقة وحيرتي وسريري العاري من وهج الأحلام. أَتناول كتابًا لا يزال قابعًا على يمين وسادتي. أُشعل فتيل رغبتي بقراءة ما تبقّى من رواية سكنت دفتي كتاب منذ عصر قياصرة الروس، ثم أغيب في حياة أخرى تاركًا وراء ظهري تلك المدن الغارقة بمستنقع الطغاة. أقرأ الصفحة الخامسة بعد المائة الثانية. تحدثني نفسي بميول كاتبها الاستسلامية، ولكن يستسلم لمن؟ بالطبع، لرغبات بناته الثلاث، فزوج ابنته البكر غالبًا ما يقضي وقته خارج البيت؛ في العمل، أو مع أصدقائه يتنافسون بلعب الورق، ولا يتبادلون الحديث إلا بين الحين والآخر. هي تقضي وقتًا بين تحضير طعام صغارها الذين تكثر طلباتهم يومًا بعد يوم، ومداعبة جهاز البحث عن القنوات التلفازية. لا يستقر رأيها على قناة بعينها. قنوات تصور أحداثًا غير مألوفة؛ بركان من الغضب. صراخ ودماء ورايات حمراء وسوداء وصفراء وبيضاء. أضواء بألوان مختلفة وخطب وأصوات متداخلة. أفواج وحشود تتجمع في الميادين. تستقر على محطة تعرض محاورة سياسية بين متحاورين اثنين ومذيعة حسناء بالغت بتزيين نفسها، حتى تخالها تجذب انتباه المشاهدين أكثر من جدال محاوريها العقيم.
اترك الكتاب جانبًا. أُجهز فنجان قهوة سادة، فأنا أحبها بدون سكر، وأنا أظن بأن السكر يذهب طعم القهوة، فللقهوة طقوس؛ آخذ رشفة، أتذوقها بلساني، وأقلّب أفكاري، وبعدها أحزم أمري. أرتدي بنطالي الجينز، وحذائي الرياضي.
أتأكد من عدم نسيان آلة التصوير التي تصاحبني بكل جولاتي في البلدة القديمة، فأنا في كل مرة أنزل إلى القدس أحمل معي سعادتي وتعاستي، حزني وفرحي، إرادتي ويأسي، مللي وشوقي. أحمل أعباء سنين من البؤس والخيبة، ولكنني أمشي على درجات الزمن الذي أراه متجليًا على قسمات الجدران التي عاصرت التاريخ. أسير بمحاذاة العيون القابضة على الدمع. لا تسمع أذناي سوى معزوفة تشدو بها أيام معدودات كنت قد عشتها في ظل أناس كالفراشات في رقتهم.
في هذه المرة سرت عبر أزقة تُركت عرضة للدخلاء. كانت أبواب البيوت مغلقة من الداخل، ويقف أمام بعضها رجال برائحة غريبة تشبه رائحة الخل، أيام كانت جدتي تضعه مع اللفت لصنع المخللات الذي تلونها باللون الليلكي، أما وجوه الغرباء فألوانها ليست ليلكية، إنما هي سوداء بلون الحقد المنبعث من عيونهم الرمادية.