المجموعة القصصية "باب العامود" للكاتب سمير الجندي، احتوت على ستّ وعشرين قصة، خطها الكاتب بقلمه المقدسي، راسمًا في كل منها لوحة تصور ملحمة الأرض والإنسان.
أنت هنا
قراءة كتاب باب العامود
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
باب العامود
الصفحة رقم: 10
في اليوم التالي، حملت نفسي، وجمعت كل ذرة من شجاعتي، وأخذت نفسًا عميقًا، ثم توجهت بخطى ثابتة نحو طاولة الأستاذ. وقفت أمامه مباشرة، لكن لساني انعقد، ونسيت كل المفردات. قلت في نفسي: الآن عرفت الإجابة عن أسئلتي. لكن الذي أنقذني من هذا الموقف المحرج هو الأستاذ رؤوف نفسه عندما سأل عن حاجتي،.فسألته بحياء:
- هل لي بخمس دقائق من وقتك الثمين يا أستاذ؟
قال:
- تفضل، قل ما عندك.
- أنا محمود عبد الله. عمري ثمانية عشر عامًا. تركت الدراسة قبل خمس سنوات بعد استشهاد والدي في الانتفاضة. خرجت باحثًا عن عمل أكسب منه بعض المال لمساعدة أمي بتربية أخواتي الثلاث، وهذا الأمر لم يرق لأمي ولا لي، فقد كانت رغبة والدي قبل استشهاده أن يراني محاميًا قدّ الدنيا، لذلك فإنني جئت إلى حضرتك لكي تساعدني في دروسي، فلا مدرسة تقبل بي بعد أن تركت التعليم لمدة طويلة.
رماني بنظرة لم أدرك مراميها، ثم قال:
- وهل تملك تكاليف هذا الأمر؟ إن أجرة الساعة الواحدة عشرون دولارًا.
- أليس كثيرًا يا أستاذ؟
- هذا هو الثمن، فإن لم تستطع توفيره فلا داعي للدروس.
قال ذلك، ثم انكفأ على قراءة كتاب يسكن بين يديه.
سرت هائمًا، متألمًا، ساخطًا، مستغربًا؛ فهو على عكس ما وصفه الجميع! تُرى ماذا حصل للناس؟ أصابتني أوجاع في كافة أنحاء جسدي من رأسي إلى أسفل قدمي. شعرت بالتمزق في كل خلايا جسدي. اعتصر الألم قلبي، وأصاب الفزع عقلي. أين تواضعه الذي وصفه الناس لي؟ هل يمكن أن يكون الإنسان متكبرًا ومتواضعًا؟ بخيلاً وكريمًا؟ قاسيًا ولطيفًا؟ عالمًا وجاهلاً؟ أسئلة حيرتني لم تُسكن نفسي، بل أججت ثورة عارمة على المجتمع، فلماذا أنا بالذات الذي يتعرض للانتكاسات المرة تلو المرة؟ أين عدالة السماء؟ أين الرحمة؟