المجموعة القصصية "باب العامود" للكاتب سمير الجندي، احتوت على ستّ وعشرين قصة، خطها الكاتب بقلمه المقدسي، راسمًا في كل منها لوحة تصور ملحمة الأرض والإنسان.
أنت هنا
قراءة كتاب باب العامود
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
باب العامود
الصفحة رقم: 9
الأستاذ رؤوف
يجلس الأستاذ رؤوف كعادته إلى طاولته في المكتبة. يضع على عينيه نظارة بإطار شفاف تختفي بين معالم وجهه، ويستعين بها كلما همَّ بالبحث عن معاني المفردات في (لسان العرب).
لا أعرف كيف أبادره بالكلام، فهو متجهم، عابس، ذو نظرة حادة تضفي على وجهه الوقار والهيبة. كلما قررت التوجه إليه بالكلام، وجدتني أتقدم خطوة وأتراجع خطوات، ثم أقرر تأجيل الحديث معه إلى يوم آخر، عندما يكون مزاجه صافيًا.
أنتظر فرصتي بفارغ الصبر.
أرقبه من بعيد، وكلما أطلتُ الانتظار زاد ترددي. أنظر إلى وجهه المستدير، وعينيه المحاطتين بالسواد، ورأسه المشتعل شيبًا، حتى لون بشرته القمحية يبث في نفسي الرهبة بالبوح. إنه يطيل النظر إلى شاشة حاسوبه الشخصي. يخيّل إلي أنه صار جزءًا من الزاوية التي يجلس فيها كل يوم.
يأتي إلى المكتبة وبيده حقيبة سوداء فيها حاسوبه، وبعض أقلام، ودفاتر. يتناول كتابًا يبحث بين صفحاته. يتركه ويتناول آخر، وعندما يجد ضالته ترتسم على وجهه علامات الارتياح، فتخرج من بين شفتيه ابتسامة رقيقة تدل على فرحة غامرة. قررت انتظار فرصة كتلك التي يصل فيها إلى الابتسام.
انتظرت ابتسامة الأستاذ رؤوف لحظة بلحظة. ثماني ساعات انتظرته في ذلك اليوم. لم يطرأ تغييرًا على وجهه، بل كانت نظراته أحدّ من السيف. كدت أفقد رغبتي بمكالمته. يئست تمامًا من نيل فرصتي. سألت أمين المكتبة أن يُقدمني له، ورجوته بذلك، فقال لي:
- اذهب وتحدث معه بما تريد، فهو رجل لطيف.
هممت بفعل ذلك. تقدمت بخطى بطيئة باتجاه طاولته التي تتكدس عليها المراجع، إلا أنني عدلت عن نيتي عندما رأيت تقطيب حاجبيه، فعدت إلى مقعدي في الطرف الآخر من المكتبة، حاملاً خيبتي، ولكن اليأس تحول فجأة إلى إصرار من نوع ما.
أخذت قراري لمحادثة الأستاذ في اليوم التالي. عندما سألت نفسي عن السبب الحقيقي الذي يمنعني من التوجه مباشرة نحو الأستاذ ومحادثته، هل يعود السبب إلى حيائي من شخص الأستاذ؟ أم هو خوفي من ردي خائبًا؟ أم الاثنين معًا؟