يستهل زعرور روايته كاتباً: «كان يجب أن أكون ميتاً. أنا واثق من ذلك ثقتك بوجود خمسة أصابع في كفك اليسرى. نجوت بالصدفة المحضة، وعشت».
أنت هنا
قراءة كتاب أرم
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 1
-1-
«كان يجب أن أكون ميتاً. أنا واثق من ذلك ثقتك بوجود خمسة أصابع في كفّك اليسرى. نجوت بالصدفة المحضة، وعشت».
نقلت هذه الفقرة كما وردت حرفياً على لسان كاتبها، وجدتها في صدر الصفحة الأولى من مذكّراته لمشروع كتابه "الخميرة"، وكان لديّ بعد ذلك متسعٌ من الوقت يسمح للتأمّل في جُملها الثلاث، وكلماتها العشرين، مفكّراً بأنّها قد أصابت من جهة الفنّ، وأخطأت من جهة الواقع؛ لأنّ كاتبها، صديقي، قد مات.
غير أنَّ الموضوعية وتوخي الدقّة، تفرضان عليَّ أن أورد هذه الحالة بشكلها الأكثر صدقاً:
فأقول بأنّه قد اختفى، واعتبر في عداد الأموات. اختفى فجأة.
وذهبت كلّ محاولات العثور عليه أدراج الرياح. وكلّ الذين تبرّعوا مشكورين وأجهدوا أنفسهم معي في محاولة اقتفاء آثاره وفكّ لغز اختفائه، أعلنوا يأسهم وإفلاسهم تماماً.
ضاعت كلّ المحاولات عبثاً، فأدرجناه في قوائم الأموات.
جاءني قبل شهرين من حادثة اختفائه، وكانت تلك آخر زياراته، آخر مرّة أراه أمامي حيّاً من لحم ودم. رأيته كثيراً بعد ذلك في المنام، وفي رحلة البحث عنه في "عيذاب"، وفي أهوار البصرة، وفي أوهام اليقظة في محاولات العثور على طرف الخيط الذي يضعني على نقطة بداية حقيقية صلبة، وفي رحلات المرار اللاحقة لتجميع نُتف الأحداث وأنصاف الوقائع، من أجل تشكيل صورة تقريبية لهذه القضيّة.
وفي كلّ مرّة كنت أجد قصّة مختلفة، وشخصية بملامح مختلفة تماماً.
أنا، مثل غيري، سمعت الكثير عمّا يسمّونه السراب. ولكنّه ظلّ عندي كصورة خيالية دائماً: هيولي غير محدّد المعالم، إلى أن جاء اليوم الذي عانيت فيه مرارة تجربة الاختبار الحقيقي.