رواية (حواء في دبي) الصادرة عن دار الجندي للنشر والتوزيع المقدسية، للكاتب المقدسي سمير الجندي، جاءت بغلاف أنيق عبارة عن بورتريت للفنان الفلسطيني اسماعيل شموط وهي بمثابة رصد اجتماعي لجوانب اجتماعية في الوطن العربي وبعض الوقائع السياسية. نقرأ من أجوائها:
أنت هنا
قراءة كتاب حواء في دبي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 10
صرت أقلب أفكاري بسرعة الفيراري، فماذا سأقول؟ وماذا تتوقع مني هي؟
يُخيّل إلي بأن سيارتي التويوتا البيضاء تستمع إلى تأولاتي بوقار كلاسيكي راقٍ، وتسير بسرعة تنسجم مع دقات قلبي، لأول مرة أشعر ببعد المسافة بين أبو ظبي ودبي، على الرغم من أني لم أجتز إلا نصف المسافة قبل أن أقفل عائدا، أهي تباريح الشوق التي تبعد المسافات إلى حدود اللانهاية؟ أم هو الحنين الذي يطيل الزمان فيبدو كأنه بلا حراك، تماما كليل امرئ القيس الذي ارتبط باستمرارية موج البحر، فأرخى سدوله بأنواع من الهموم والقلق مما هو آت؟
عكر صفوي، الازدحام المروري الخانق في شارع الشيخ زايد، إنه وقت الظهيرة، ساعة خروج الموظفين إلى استراحاتهم، وخروج طلبة المدارس من مدارسهم، الجميع مرة واحدة يتدفقون إلى الشارع بسياراتهم الفارهة، وكأن لا أحد بقي في بيته في هذه اللحظة، والغريب في الأمر أن الطقس تبدل فجأة وحلت بعض الغيوم البعيدة حاجبة لون السماء الزرقاء، فصار كل شيء رمادياً، الأبراج المصطفة على جانبي الطريق كحراس قصور بكنجهام الملكية، لا تتحرك ولا تتفاعل مع رمادية الحياة، ولا مع ازدحام السيارات الخانق، تراها مبتسمة وعابسة، شامخة وذليلة، صارخة وصامتة بدرجة غريبة غرابة الحياة المزدحمة في هذه المدينة العصرية التي تفوقت على مثيلاتها في أمريكا وأوروبا، الأرصفة الواسعة وواجهات المحلات الفارهة، والناس القلائل الذين يسيرون على أقدامهم في هذا الجو المشحون بالأفكار المتلاطمة، وأرصفة تتسع وتضيق، والجسور تتقاطع فوق الطريق، وجسر واحد يسير بمحاذاة الطريق من ابن بطوطة إلى القصيص، يسير عليه قطار مؤهل لنقل الناس في كابينات فارهة، جديدة، بل آخر ما توصلت إليه صناعات القاطرات الخفيفة في عالمنا هذا، ربما يكون السفر بالقطار أقل كلفة، يختصر المسافات والزمن، ويوفر الأمن والأمان...
ما زلت أعالج أمر الوقت والمسافات وتماهيها مع أفكاري المبعثرة في حيز واحد هو سلمى، ولقائي بها في لاجوفريت بعد ثلاثة أرباع الساعة، والوقت يجري بسرعة أوسين بولت، لكن المسافات لا تضيق أبداً هذه المرة...
سرت بمحاذاة أفكاري، وقلقي من التأخر عنها في لقائي الأول، لم أكد أنتهي من أزمة شارع الشيخ زايد حتى بدأت السماء بالسخرية مني، فقد أمطرت بطريقة لم أعهدها في دبي، ولم أتوقعها أبدا، أمطار ورمال ورعود وفيضانات كبيرة! لماذا تسخر مني السماء، لماذا تتعاكس الطبيعة مع حلمي الشفاف؟ لا أجد إجابات على أسئلتي التي ربما تكون محيرة، وربما تكون عادية في الوقت والمكان العاديين، إنما هنا في هذه الظروف فإنني عجزت عن إيجاد مبرر واحد لما يحصل، أُغلقت الشوارع وغطت مياه الفيضانات دواليب السيارات، صار السائقون يخرجون من سياراتهم، ويتركونها لقمة سائغة في جوف الفيضان، الماء يتدفق بسرعة كبيرة، كأن السماء فتحت سدودها مرة واحدة لتبتلع المياه في طريقها كل ما هو ثابت ومتحرك، كنت خائفا جدا، وخوفي ألا أصل سلمى بالوقت المحدد، بينما خوف الناس من سرعة جريان المياه العكرة، التي تحمل معها الرمال والغبار وقطعاً بلاستيكية، وتجري السيارات الخفيفة فكأن الرياح تطوحها كدمية صغيرة في يد صبي مشاكس يكره ألعابه البلاستيكية لدرجة الملل منها ومن أخيه الصغير الذي يحصل على مراده بدموع كدموع التماسيح الأسيوية...