أنت هنا

قراءة كتاب الإسلام والتمنية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الإسلام والتمنية

الإسلام والتمنية

كتاب "الإلاسم والتنمية"؛ هذه محاولة لتلمس الخطوط العريضة للإسلام والتنمية·· ذلك أن الإسلام بجانب كونه دينا ذا مبادئ ومضامين سامية ونبيلة تهدف إلى خير البشرية·· وهذا في حد ذاته يصب في محصلة الرقي للفرد والأمة·· فإنه يمثل مشروعا حضاريا يحمل مضامين فيها كل معا

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 5
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر·· لايقتصر على العبادات والآداب العامة·· ولكنه يتسع لكل الشؤون·· من الشأن الاقتصادي·· إلى الشأن السياسي·· إلى الشأن الاجتماعي·· إلى الشأن الثقافي وغير ذلك من الشؤون· وليس أهل الهيئة بمعزل عن جوهر هذه المرجعية·· أو فوق هذه المرجعية·· فهم أنفسهم خاضعون أسوة بغيرهم·· ومن لم تتمثل فيه هذه المرجعية سلوكا·· فإن المجتمع لن يختاره·· وسيكون كغيره عرضة للجزاء·
 
قد يقول قائل·· أنه لا يمكن أن يكون ثبات واستقرار في نظام يعتمد على الوازع الديني·· ولاريب أن جوهر الإسلام وحكمته بينة·· والوازع الديني مسألة تتعلق بالفرد·· والفرد من منطلق الوازع الديني يحقق هدفا دينيا·· وحينما يفيض من إنتاجه وكسبه على الفقراء والمعوزين والمحتاجين·· فإنما يساهم في تحقيق صالحه وصالح المجتمع الذي هو عضو فيه·· ومعروف أن صلاح المجتمع فيه تحقيق صالح الفرد·
 
وإذا كان حافز الربح كافيا لإدارة عجلة الاقتصاد في الدول المتقدمة وزيادة إنتاجها وتحقيق الكسب الكبير والثراء الفاحش·· فإنه يمكن القول·· أن غياب هذا الحافز ليس إجهاض فرص العمل والكسب والإنتاجية والثراء·· فكيف تستقيم الأوضاع في مجتمع يعتمد على مدى توافر هذا العنصر· صحيح أن حافز الربح والكسب الكبير والثراء الفاحش·· يمثل طموحات في المجتمع الرأسمالي·· وغايات في حد ذاتها·· ولذلك فإنها تقترن بالمصلحة الفردية والأنانية والجشع وعدم الاكتراث بالآخرين· وذلك ما يحقق الثراء الفاحش والكسب الكبير لقلة تستأثر به وتحتكره ويزداد عدد الفقراء·· وتزدادا الهوة بين القلة المترفة ونسبة غير يسيرة من الفقراء الواقفين على خط الفقر أو ما دونه·
 
ولذلك فإن الوازع الديني يهذب الفردية·· ويشذب المصلحة الشخصية·· ويشطب الأنانية والجشع·· الأمر الذي تتحقق به المصلحة للأثرياء والفقراء·· وبدلا من أن تزداد الهوة اتساعا بينهما تنحسر الهوة·· ولكن تظل قضية الوازع الديني مسألة مرهونة بالفرد على كل الأصعدة·· وهي مسألة قد تزيد فيها القوة أو يزيد الوهن ولا تكون قوية إلا في مجتمع يغلب عليه أن يكون مجتمعا فاضلا·· أو أقرب إلى المجتمع الفاضل كما كان عليه الحال في الحقبة الأولى من الإسلام··· حيث القدوة ماثلة·· وحيث التطبيق أقرب إلى المبدأ·· وحيث الواقع أقرب إلى المثال·· وحيث القول مقترن بالفعل· وحينما غابت القدوة·· وغلب على الأصعدة كلها·· النفاق·· والافتراق بين القول والفعل والمثال والواقع والمبدأ والتطبيق·· وهن الوازع الديني·· وأصبح المجتمع المسلم في مساره بعيدا عن جوهر الإسلام وحكمته·· ولهذا احتكر السلطة والثروة·· قلة رسخت ثقافة الاستبداد·· وزادت أعداد المسحوقين والفقراء·
 
ويرتبط بالتقوى·· الإيمان بأن الله رقيب·· وهذا يفرض الالتزام بالجد والاجتهاد والإخلاص والأمانة حتى في غياب الرقابة المباشرة· وفي الأطر المؤسسية·· فإن المرؤوس عادة يبدي اهتماما بالعمل وانكبابا عليه في حضور الرئيس أو عندما يكون الرئيس قريبا·· وينصرف عن العمل أو يتخذ من الوقت فسحة·· عندما يكون الرئيس غير حاضر أو بعيدا عن محيط العمل·· والطالب قد يبدو منصرفا إلى الإجابة عن الأسئلة في الامتحانات بحضور المراقب·· ولو غفلت عنه أعين المراقب فقد لا يتورع عن الغش·· والطفل قد يكون مؤدبا إلى أقصى حدود الأدب في حضور والده·· فإن انصرف والده·· فعل ما شاء·· وعبث كما شاء·
 
ولاريب أن الرقابة المباشرة·· مهما أحكمت·· لايمكن أن تكون حاضرة وماثلة في كل وقت·· ناهيك عن كون الرقابة المباشرة بمثابة العصا الحاضرة في إطار ينسجم مع نزعة التسلط·· ومع القبول بنزعة التسلط·· وقد يتحقق من وراء الرقابة المباشرة·· العمل المطلوب·· ولكن ذلك مرهون بحضور الرقابة·· ومدى إحكامها·· ومدى قبضتها· وقد ضربت الشيوعية مثلا في زيادة الإنتاجية تحت سياط الرقابة المحكمة وقبضتها الحديدية·· ولكن ذلك كان مصحوبا بانخفاض كبير في الروح المعنوية· صحيح أنه قد تكون هناك أوضاع ترتفع فيها الروح المعنوية كثيرا·· ويكون الإنتاج في غاية التدني·· وذلك يتمثل في الأوضاع التي تغيب فيها الرقابة المباشرة كثيرا ويغلب التسيب والانفلات·· ولكن بالطبع·· فإن الوضع الأمثل هو·· الإنتاجية المرتفعة والروح المعنوية المرتفعة·· ولايتحقق ذلك إلا من خلال ترسيخ مبدأ الرقابة الذاتية·· وهي النمط الأمثل للرقابة كما عرفه الغرب في تطوره الإداري المعاصر·
 
والرقابة الذاتية في صلب الواجب الإيماني في الإسلام·· ولذلك فإن الالتزام بها يعني التزاما بالجد والاجتهاد والإخلاص والأمانة والنزاهة·· بصرف النظر عن وجود رقابة مباشرة أو غياب الرقابة المباشرة·
 
ولما كانت الرقابة الذاتية·· حاضرة في كل الأوقات·· فإن ذلك يعني أن الالتزام بمقتضيات الجد والاجتهاد والإخلاص والأمانة والنزاهة حاضرة دائما·· ولابد أن يكون المردود من وراء ذلك مجزيا·· والمحصلة كبيرة·· وهذه بدون شك من مرتكزات تحقيق التنمية الفعلية· غير أنه من اللافت للنظر·· أن هذا الواجب الإيماني·· يكاد يندر حضوره على صعيد العمل·· أيا كان في البلدان الإسلامية·· وحتى الرقابة المباشرة·· يبدو وكأنها تحتاج إلى رقابة في حلقة مفرغة لاينتج عنها مردود مجز·· أو محصلة كبيرة·· وتتعثر التنمية·· أو تخفق·

الصفحات