كتاب "الإلاسم والتنمية"؛ هذه محاولة لتلمس الخطوط العريضة للإسلام والتنمية·· ذلك أن الإسلام بجانب كونه دينا ذا مبادئ ومضامين سامية ونبيلة تهدف إلى خير البشرية·· وهذا في حد ذاته يصب في محصلة الرقي للفرد والأمة·· فإنه يمثل مشروعا حضاريا يحمل مضامين فيها كل معا
أنت هنا
قراءة كتاب الإسلام والتمنية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 8
الصدق والمصداقية
والصدق والمصداقية·· أيضا من التقوى·· ومن بين أهم مبادئها·· وتحتاج إلى تناول خاص كذلك· إن الإسلام·· يحث على الصدق والمصداقية·· ويندد بالنفاق والازدواجية·· ويغلب أن يغيب الصدق والمصداقية عن الساحة في الدول الإسلامية·· ويغلب أن تشيع فيها ظاهرة النفاق والازدواجية·· بحيث تكاد تبدو ممارسة حياتية على صعيد الأنظمة·· وعلى الصعيد الاجتماعي أيضا·· والتناقض بينهما يكاد يبدو مسألة مشروعة·· أو تناغما أو تكاملا يلغي أو ينسخ صفة التناقض أصلا·
إن الأنظمة وهي تستظل بالإسلام·· تستمرئ الكذب·· وتمارس التعتيم والتضليل·· والفرد في المجتمع قد يستمرئ الكذب والنفاق والازدواجية· وإذا كان البعض يرى أن هذا التوجه على صعيد المجتمع والفرد هو لدرء عواقب الجهر بالحق من بطش أو قمع من السلطة·· فإن هذه الظواهر تكاد تنسحب حتى على ما ليس له علاقة بالشأن السياسي أو ليس له علاقة بالسلطة·
وإذا كانت القضية تبريرية·· فإن الأنظمة تستمرئ الكذب والتضليل والتعتيم لكي لا تظهر شوائب أو نقائص·· وتبدو دائما أمام جمهورها على أنها في منتهى الحكمة والصواب·· وأن قراراتها وإجراءاتها وأهدافها·· لا تصب إلا في الصالح العام·· بينما هي إلى حد كبير·· قد تكون غارقة في الشوائب والنواقص·· وأهدافها تراعي مصالحها الخاصة قبل أن تراعي الصالح العام· هذا التبرير هو الذي يجعل ظاهرة الصدق والمصداقية غائبة·· ويجعل ظاهرة النفاق والازدواجية حاضرة ومشروعة ومبررة·· وهذا الوضع يبعد كثيرا عن جوهر الإسلام ومضامينه·· بل يقف على النقيض منها·· فالإسلام ضد النفاق والازدواجية والكذب والتضليل·· وهي مذمومة ومستنكرة·· فكيف يمكن أن تكون مشروعة ومبررة!!
وبالنسبة للفقهاء·· فإن وجود هذه الظاهرة بينهم يجعل القضية محيرة· صحيح أن فقهاء السلطة لابد أن يأتمروا بأمر السلطة·· فيمدون مظلة الإسلام على أي قرار أو إجراء أو هدف·· مؤكدين فيه أن الصالح العام وخدمة الإسلام·· هما الإطار الذي يحكم تلك القرارات والإجراءات والأهداف·· وأن مرجعية السلطة هي الإسلام·· وهو الذي يحكم كل قراراتها وإجراءاتها وأهدافها·
أما الفقهاء·· خارج مظلة السلطة·· فهم قد يندرجون في ممارساتهم·· ضمن الجمهور على صعيد المجتمع·· فينأون عن الصدق والمصداقية·· أو الجهر بالحق إن كان ذلك سيضعهم تحت طائلة العقاب من السلطة أو البطش أو القمع أو التنكيل·
ولكن المستغرب·· أن الازدواجية·· حتى بين الفقهاء·· سواء فقهاء السلطة أو الفقهاء خارج السلطة·· تبدو حاضرة في أمور لا علاقة لها بالشأن السياسي أو السلطة·· فهم قد يأمرون بشيء وينسون أنفسهم·
وإذا كان الصدق والمصداقية·· ليس لهما حضور على الساحة إجمالا في البلدان الإسلامية في الوقت الذي يطغى فيه على الساحة النفاق والازدواجية·· فإن ذلك ضد الإسلام·· ومعيق للتنمية في كافة أبعادها· وربما كان الشرق العربي أكثر ازدواجية ونفاقا·· وربما كان العالم العربي أكثر ازدواجية ونفاقا·· وإذا كان مرد ذلك للتنشئة والتربية·· فهل آثرت الأنظمة طغيان هذه الظاهرة·· ليس لأنها تمارس الازدواجية والنفاق والتضليل والتعتيم·· ولكن لأن الصدق والمصداقية يمكن أن يفتحا آفاقا واسعة·· ومنافذ رحبة·· لكشف سوءات السلطة·· وهو الأمر الذي لا يمكن أن تقبل به!! من هنا كان التمجيد الذي قد يبلغ درجة التقديس للحاكم·· والذي تعتبره المقررات المدرسية والبرامج الإعلامية·· مثالا كاملا منزها عن الخطأ·· ومبرّأً من الخطيئة·· ورمزا للعفة والنزاهة والحكمة·
والموظفون بما فيهم الفقهاء والكتاب·· الذين يعملون في بلاطه أو خارج بلاطه·· ولكن تحت مظلته·· لابد أن يكونوا منزهين عن الخطأ·· ومبرأين من الخطيئة·· ومثالا للعفة والنزاهة والحكمة·· لأنه هو الذي اختارهم·· ولا يشك في صواب اختياره أبدا·
وبالطبع فإن هؤلاء حين يختارون معاونيهم أو العاملين معهم·· لابد أن يكون اختيارهم صائبا·· لأنهم هم على نهج صواب الحاكم·· والإسلام لا يحبذ تمجيد الفرد بل ويمقت تقديسه·


