رواية حارس الأوهام الرمادية؛ للكاتب البحريني جمال الخياط؛ الصادرة عام 2000 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، نقرأ من أجوائها:
أنا الآن تعب ، ومهموم · هكذا أشعر في هذه اللحظة الخرافية بصدق ·
أنت هنا
قراءة كتاب حارس الأوهام الرمادية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
حارس الأوهام الرمادية
الصفحة رقم: 3
خرجت من المطعم غير حزين أو حتى متضايق · المحرق تزخر بالعشرات من شاكلة هذا المطعم الوسخ ، وبأسماء قبيحة ، خرافية تنفي الصدق عن عقولنا · الطيور النارية ، أرض العجائب ، مدينة الزهور البديعة ، أرض الأحلام ، كلها أسماء لا تمت بصلة للأماكن التي تستضيفها · أنا فقط أتحسر لأنني لم أختلِ بنفسي حتى هذه اللحظة · تحبل المشاكل وتلصق أبوتها بي حيثما أحل ، وجو البيت يخنقني حتى الموت ·
قفز إلى حوش ذاكرتي الفسيح خيال صديق غفلت عنه ، لم ألتقِ به منذ زمن طويل ، طويل· كان يقطن حينا الكبير محطة السيارات القديمة في أوج ازدهاره ، وانتقل منذ زمن إلى مدينة جديدة ، راقية خارج العاصمة العتيقة ، الرفاع الشرقي· انتقل كما انتقل قبله وبعده الكثيرون ليفتحوا الحي على مصراعيه لغزو الآسيوين المهين لذكرياتنا ، وحكايتنا البكر، الجميلة · لم تعد المحرق كما كانت، عذراء بديعة الحسن ، إنها الآن ، أقرب ما تكون ، إحدى الأحياء المهملة ، البائسة من بومباي و كرا تشي · جيران جدد يزرعون الغضب ، والقلق، والخوف من المجهول والخراب·
وحده ، ذلك الصديق ، الذي كان يعاملني كإنسان وينصت للصوت المتمرد في داخلي دون ضجر أو ملل ، دون احتقار أو تعالٍ ، رغم مكانته الاجتماعية العالية ورغم ثرائه · لو أجده الآن لن أتردد في ركل أصدقاء الحاجة على مؤخرتهم بلا تفكير ، لكنه الآن بعيد ، وربما لم يعد في ذاكرته مساحة تذكر لملامحي أو ذكرياتي التافهة معه· بالتأكيد نسِي اسمي ، واللقب الذي ألصق بي قسراً ، مجنون ·
لقد قررت ، لن أدخل مطعماً آخرَ ، يكفي ما حصل اليوم، وهذا الدرس القاسي يحمل إنذاراً جدياً لكرامتي التي باتت في الحضيض· سأقاطع هذه المطاعم الرديئة ، الوسخة وأعود إلى سابق عهدي، خبز إيراني وعلبة صغيرة من سمك التونة · وجبة نظيفة ورخيصة الثمن أيضاً ، ثم انه يمكنني الاحتفاظ بنصف العلبة لليوم التالي في ثلاجة البقالة التي أتردد عليها ·العلبة في أمان، وصاحب البقالة لا يضايقه بتاتاً وجودي وقت الظهيرة حيث تخلو البقالة من الزبائن ·
مشيت ثلاثين دقيقة حتى توقفت عند مقهى شعبي قديم · برقت لي فكرة جهنمية، فهنا حتماً أستطيع الاحتفاظ بسكينتي، واحتساء الشاي ، والتلذذ بطابور الأماني الجميلة وهي تختال في مخيلتي لتعوضني عن الحرمان والمذلة اللتين لا تريدان فراقي · أرخيت مؤخرتي على الكرسي الخشبي الطويل ، و مددت ساقي على آخرهما· يبدو أن صبي المقهى لم يرقه منظر ساقي الشعراوين بكثافة مخيفة · طلبت شاياً فأتاني على عجل · رشفة أولية أسكرتني ، والتالية أعادتني للصحو· كل شيء جميل هنا ما عدا صوت المذياع العالي الذي لم يهدأ عن بث أغانٍ شعبية عن زمن الغوص ·