أنت هنا

قراءة كتاب أسس الفكر القومي العربي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أسس الفكر القومي العربي

أسس الفكر القومي العربي

بدأت فكرة هذا الكتاب من ضرورة تجميع نصوص مختارة لكتاب قوميين تعرّف الشباب العربي بالفكرة القومية العربية ومعناها وأسسها. ما هي القومية العربية؟ وما هو الوعي القومي؟ ومن هم بعض أهم الكتاب القوميين الذين أسسوا الفكر القومي العربي أو أثروه؟

تقييمك:
4
Average: 4 (1 vote)
الصفحة رقم: 5
-1 -
 
فلنبحث إذن: ما هي العناصر التي تكون القومية وتؤلف الأمة؟
 
إن أول ما يخطر على البال، ويلفت النظر، في هذا الصدد، هو وحدة الأصل والمنشأ.
 
يظن الناس عادة أن كل أمة من الأمم تتحدر من أصل واحدٍ، ويزعمون أن جميع أفراد الأمة الواحدة يكونون بمثابة الأشقاء المتحدرين من صلب أبٍ واحد. ولذلك نجدهم يكررون في كل مناسبة كثيراً من التعبيرات الدالة على هذا الزعم، كقولهم: "أجدادنا، آباؤنا، إخواننا...".
 
غير أن هذا الظن لا يستند إلى أساسٍ صحيح، لأن جميع الأبحاث العلمية – المستمدة من حقائق التاريخ ومن مكتشفات علم الإنسان ومكتسبات علم الأقوام – لا تترك مجالاً للشك في أنه لا يوجد على وجه البسيطة أمة تتحدر من أصل واحدٍ فعلاً، ولا توجد على الأرض أمة خالصة الدم تماماً.
 
فإن جميع الأمم التي نعرفها الآن قد تكونت من تداخل عشرات الأعراق والأجناس، في مختلف أطوار التاريخ، حتى إن الأجناس التي عاشت في القرون المتقدمة على أدوار التاريخ، كانت أيضاً متخالطة ومتداخلة جداً.
 
ونستطيع أن نقول بكل جزم وتأكيد: إن وحدة الأصل والدم في الأمم إنما هي من الأوهام التي استولت على العقول والأذهان، من غير أن تستند إلى دليلٍ أو برهان.
 
لا الإنكليز، ولا الروس، ولا الألمان، ولا البلغار... كانوا متجانسين من حيث الأصل والنسل. بل إن كل واحدة من هذه الأمم إنما تكونت من تداخل وتمازج عشرات الأقوام. حتى الأمة الفرنسية لا تتحدر من أصل واحد. هذه الأمة التي كانت أسبق الأمم الأوروبية إلى تكوين وحدة سياسية قومية، حتى هذه الأمة نفسها إنما تكونت من اختلاط عدد كبير من الأقوام والأجناس. وقد تبين من الأبحاث العلمية التي لا مجال للشك فيها أن عدد الأقوام التي كونت فرنسيي اليوم يتجاوز الستين. ولهذا فإننا إذا قارنا سكان شمال فرنسا بسكان جنوبها – من حيث الأوصاف البدنية والخصائص الجنسية – وجدنا بينهم بوناً شاسعاً جداً. فإن مشابهة أهالي بعض المقاطعات الشمالية – كالبريتاني والنورماندي مثلاً – الإنكليز والألمان، أكبر بكثير من مشابهتهم أهالي سائر المقاطعات، وبخاصة أهالي المقاطعات الجنوبية.
 
إن كل الأبحاث العلمية المتعلقة بالأزمنة التاريخية وما قبل التاريخية (Préhistorique) تدل دلالة قاطعة على أن تداخل الأقوام والأجناس استمر دون انقطاع في جميع أقسام فرنسا منذ أقدم الأزمنة. فأصبح الآن من الصعوبة بمكان تعيين "المنبع الأصلي" الذي ترجع إليه القومية الفرنسية وتتحدر منه. وقد اختلف علماء التاريخ فيما بينهم اختلافاً كبيراً حينما حاولوا تعيين هذا المنبع الأصلي: ما هو الشعب الذي يستحق أن يُنعت باسم "أجداد الفرنسيين الحاليين"؟ هل هم الغاليون؟ أو هم الرومان؟ أم هم الفرنك؟ إن كل واحد من هذه الحلول الثلاثة صار أساساً لنظرية من نظريات التاريخ: لقد ظل العلماء والمفكرون يتناقشون في ذلك مدة طويلة، إلى أن عرفوا ما في هذا النقاش من العبث: إن جميع هؤلاء الأقوام – وعشرات أمثالها – قد اشتركوا في تكوين الأمة الفرنسية، فإذا ما بحثنا عن أصل الفرنسيين يجب أن نبحث عن العنصر الذي كان أشد تأثيراً في هذا التكوين، من الوجهة المعنوية، لا من الوجهة المادية. ويجب أن نعلم العلم اليقين أن الفرنسيين إذا انتسبوا إلى الأقوام اللاتينية، فإنما ينتسبون إليها من وجهة اللغة والثقافة، لا من جهة الأصل والدم، وذلك لأن من الحقائق الثابتة علمياً أن دم اللاتين والرومان في فرنسا أقل بكثير من دماء الجرمان.

الصفحات