بدأت فكرة هذا الكتاب من ضرورة تجميع نصوص مختارة لكتاب قوميين تعرّف الشباب العربي بالفكرة القومية العربية ومعناها وأسسها. ما هي القومية العربية؟ وما هو الوعي القومي؟ ومن هم بعض أهم الكتاب القوميين الذين أسسوا الفكر القومي العربي أو أثروه؟
أنت هنا
قراءة كتاب أسس الفكر القومي العربي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 8
لذلك نستطيع أن نقول: إن الأمم يتميز بعضها من بعض – في الدرجة الأولى – بلغتها، وإن حياة الأمم تقوم، قبل كل شيء، على لغاتها.
وإذا أضاعت أمة من الأمم لغتها، وصارت تتكلم بلغةٍ أخرى، تكون قد فقدت الحياة واندمجت في الأمة التي اقتبست عنها لغتها الجديدة.
كثيراً ما يرينا التاريخ، أن بعض الأمم تستولي على أمةٍ أخرى، وتخضعها لإرادتها، وتسير شؤونها كما تشاء. إن هذا الاستيلاء يفقد الأمة المغلوبة استقلالها، ولكنه لا يمس كيانها، ما دامت الأمة المذكورة محافظة على لغتها الخاصة بها، وما دامت متميزة من الأمة المستولية عليها بهذه اللغة الخاصة. وقد قال أحد المفكرين: "إن الأمة المحكومة التي تحافظ على لغتها، تشبه السجين الذي يمسك بيده مفتاح سجنه". إنها تستطيع أن تفلت من سجنها هذا، فتسترد حريتها واستقلالها في يومٍ من الأيام، لأنها تبقى حية بحياة لغتها، وتظل محافظةً على كيانها كأمة، برغم أنها تكون قد فقدت شخصيتها كدولة. ولكن الأمة المذكورة إذا فقدت – بمرور الزمان – لغتها الخاصة واقتبست وتبنت لغة الدولة المستولية عليها، تكون قد فقدت الحياة بتاتاً، واندمجت في كيان الأمة التي أعطتها لغتها الجديدة، فلا يبقى ثمة أمل لعودتها إلى الحرية والاستقلال.
يتبين من ذلك كله: أن اللغة هي روح الأمة وحياتها، إنها بمثابة محور القومية وعمودها الفقري، وهي من أهم مقوماتها ومشخصاتها.
أما التاريخ فهو بمثابة شعور الأمة وذاكرتها. فإن كل أمة من الأمم، إنما تشعر بذاتها وتكون شخصيتها بواسطة تاريخها الخاص.
عندما أقول التاريخ، لا أقصد بذلك التاريخ المدون في الكتب – التاريخ المدون بين صحائف المطبوعات والمخطوطات – بل أقصد بذلك التاريخ الحي في النفوس، الشائع في الأذهان، المستولي على التقاليد.
إن وحدة هذا التاريخ تولد تقارباً في العواطف والنزعات، إنها تؤدي إلى تماثل في ذكريات المفاخر السالفة وفي ذكريات المصائب الماضية، وإلى تشابه أماني النهوض وآمال المستقبل.
ولذلك نستطيع أن نقول: إن الذكريات التاريخية تقرب النفوس، وتكوِّن بينها نوعاً من القرابة المعنوية. وتكون هذه القرابة المعنوية أشد تأثيراً من القرابة المادية بدرجات.
والأمة المحكومة التي تنسى تاريخها، تكون قد فقدت شعورها ووعيها. وهذا الشعور والوعي، لا يعودان إليها إلا عندما تتذكر ذلك التاريخ وتعود إليه.
ولهذا السبب، نجد أن الأمم المستولية والحاكمة، تعمد قبل كل شيء إلى مكافحة تاريخ الأمة المحكومة، وتبذل ما استطاعت من الجهود لأجل إقصاء ذلك التاريخ عن الأذهان. إنها تسعى – من جهة – إلى تشويه هذا التاريخ لأجل تجريده من قوة الجذب والتأثير، كما تعمل – من جهة أخرى – على إلهاء الأذهان بوقائع تاريخها هي وبهر الأنظار بشعشعة التاريخ المذكور.
وأما اليقظات القومية، بعد عهود الحكم الأجنبي، فتبدأ عادة – بعكس ذلك – بتذكر التاريخ القومي وبالاهتمام به اهتماماً خاصاً.
يتبين من كل ما تقدم، أن اللغة والتاريخ هما العاملان الأصليان اللذان يؤثران أشد التأثير في تكوين القوميات. والأمة التي تنسى تاريخها تكون قد فقدت شعورها، وأصبحت في حالة من السبات، وإن لم تفقد الحياة. وتستطيع هذه الأمة أن تستعيد وعيها وشعورها بالعودة إلى تاريخها القومي والاهتمام به اهتماماً فعلياً، ولكنها إذا ما فقدت لغتها، تكون عندئذ قد فقدت الحياة ودخلت في عداد الأموات، فلا يبقى سبيل إلى عودتها إلى الحياة، فضلاً عن استعادتها الوعي والشعور.