بدأت فكرة هذا الكتاب من ضرورة تجميع نصوص مختارة لكتاب قوميين تعرّف الشباب العربي بالفكرة القومية العربية ومعناها وأسسها. ما هي القومية العربية؟ وما هو الوعي القومي؟ ومن هم بعض أهم الكتاب القوميين الذين أسسوا الفكر القومي العربي أو أثروه؟
أنت هنا
قراءة كتاب أسس الفكر القومي العربي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 9
-3 -
ولكن العوامل التي تؤثر في تكوين الأمم تميز بعضها من بعض لا تنحصر في اللغة والتاريخ؛ بل إن هناك عوامل أخرى تؤثر في ذلك تأثيراً واضحاً، فتقوي تارة تأثير العاملين الأساسيين المذكورين آنفاً، وتضعف ذلك التأثير طوراً.
إن أهم هذه العوامل، هو الدين.
لأن الدين يولد نوعاً من "الوحدة" في شعور الأفراد الذين ينتمون إليه، ويثير في نفوسهم بعض العواطف والنزعات الخاصة التي تؤثر في أعمالهم تأثيراً شديداً. فالدين يعتبر من هذه الوجهة من أهم الروابط الاجتماعية التي تربط الأفراد بعضهم ببعض، وتؤثر بذلك في سير السياسة والتاريخ.
غير أن تأثير الدين في تسيير السياسة والتاريخ وتكوين القومية والوطنية – على هذا المنوال – لا يجري على وتيرة واحدة في كل الأحيان. بل إن هذا التأثير يختلف باختلاف الأديان من جهة، وباختلاف العصور والأدوار من جهة أخرى.
ولذلك نستطيع أن نقول إن علاقة الأديان بالقوميات من المسائل المعضلة التي تحتاج إلى بحث عميق وتحليل دقيق.
يجب علينا أن نلاحظ في هذا الصدد – قبل كل شيء – أن الأديان تنقسم من الوجهة الاجتماعية إلى صنفين أساسيين: الأديان القومية، والأديان العالمية.
ذلك لأن بعض الأديان تنحصر بقوم أو شعب أو مدينة. ومعتنقو هذه الأديان يعتقدون بإله خاص بهم دون غيرهم، ويزعمون أنه يحميهم دون سواهم. ولذلك فإنهم لا يسعون إلى نشر دينهم ومعتقدهم بين الأنام، بل بعكس ذلك يسدون أبواب هذا الدين في وجوه سائر الأقوام. ولا حاجة إلى القول إن أمثال هذه الديانات الخاصة، تكون بمثابة أديان قومية بكل معنى الكلمة. ومن الطبيعي أن الرابطة التي تتولد منها تنضم إلى تأثير اللغة والتاريخ، وتقوى الروابط التي تربط الأفراد بعضهم ببعض. ولذلك كله نجد أن الحياة الدينية لدى تلك الأقوام، لا تنفصم عن الحياة السياسية أبداً، فتزيد أفراد القوم ترابطاً على ترابطهم وتماسكاً على تماسكهم. فنستطيع أن نقول إن الروابط الدينية تكون في هؤلاء الأقوام من عناصر القومية الأساسية.
من المعلوم أن الديانة الموسوية، وكثيراً من الأديان الوثنية القديمة كانت من هذا القبيل.
ولكن الأحوال تختلف عن ذلك اختلافاً كبيراً في الأديان العالمية لأن هذه الأديان لا تختص بشعب من الشعوب أو أمة من الأمم، بل بعكس ذلك تفتح أبوابها لجميع الأقوام، وتدعو إلى اعتناقها جميع الأنام، على اختلاف لغاتهم وأجناسهم. إن هذه الأديان إنما تسعى إلى الانتشار بين أكبر عدد ممكن من الأفراد والجماعات، وتميل إلى إيجاد رابطة أعم من روابط اللغة والتاريخ، وتخلق بذلك نوعاً من الجو الأممي الذي يحيط بكثير من الأقطار ويغمر كثيراً من الأقوام.
ومن البديهي أن أصحاب هذا الصنف من الديانات كثيراً ما يميلون إلى معارضة القوميات.
ومن المعلوم أن الديانة المسيحية والديانة الإسلامية من جملة هذه الأديان العالمية التي مثلت دوراً هاماً في سير التاريخ.