أنت هنا

قراءة كتاب أسس الفكر القومي العربي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أسس الفكر القومي العربي

أسس الفكر القومي العربي

بدأت فكرة هذا الكتاب من ضرورة تجميع نصوص مختارة لكتاب قوميين تعرّف الشباب العربي بالفكرة القومية العربية ومعناها وأسسها. ما هي القومية العربية؟ وما هو الوعي القومي؟ ومن هم بعض أهم الكتاب القوميين الذين أسسوا الفكر القومي العربي أو أثروه؟

تقييمك:
4
Average: 4 (1 vote)
الصفحة رقم: 6
وهذا هو الحال في جميع الأمم، فإنها جميعاً مختلطة ومتداخلة من حيث الأصل والدم...
 
إنني أشبه الأمم من هذه الوجهة بالأنهر العظيمة. فمن المعلوم أن كل نهر من الأنهر تجري فيه مياه أتت من منابع ومصادر وروافد مختلفة. والأنهر الكبيرة تكون كثيرة المنابع وعديدة الروافد بوجهٍ عام، وإذا ما بحثنا عن منبع نهر من الأنهر، فإنما نفعل ذلك بالنسبة إلى ما هو الغالب والأساسي، ولا نعني بذلك أن جميع مياه النهر تأتي من منبع واحد فعلاً.
 
هذا نهر دجلة، مثلاً: من منا يستطيع أن يجزم من أين أتت المياه التي تسيل فيه الآن؟ من منا يستطيع أن ينكر أن هذه المياه آتيةٌ من نواحٍ مختلفةٍ جداً؛ كلنا نعلم أن قطرات هذه المياه قد تكون متأتية من العيون التي تنبع من تحت التراب أو من بين الصخور؛ وقد تكون متولدة من ذوبان الثلوج المتراكمة على الجبال؛ وقد تكون آتية من السيول المتكونة من هطول الأمطار؛ وكل ذلك قد يكون من جراء ما حدث في أعالي الزاب، أو على سفوح حمرين، أو في سهول الموصل، أو على جبال زاخو، أو في ديار بكر... ومهما كان الأمر، فإن جميع هذه المياه المختلفة تسير جنباً إلى جنبٍ في مجرى واحد، وتكوّن هذا النهر الذي يجري أمامنا. إننا نسمي هذه المياه باسم مياه دجلة، من غير أن نفكر في منشأها الخاص، أو أن نتساءل عن طول المدة التي مضت منذ التحاقها بهذا المجرى الطويل، وانتسابها إلى هذا النهر العظيم.
 
إن أحوال الأمم ومنابعها تشبه ذلك شبهاً كبيراً. إن الإنكليزي المثقف لا يعرف ما إذا كان بينه وبين شكسبير أو نيوتن أو ميلتون رابطة أصل ونسب، ومع ذلك فإنه يعتبر هؤلاء أجداداً له وأسلافاً، ويفتخر بهم أكثر مما يفتخر بأجداده الحقيقيين.
 
وكذلك الفرنسي المثقف: فإنه لا يتساءل عما إذا كان يجري في عروقه حقيقة شيء من دم شارلمان أو راسين أو فولتير. ومع هذا فهو يعتبر هؤلاء كلهم أجداداً له وأسلافاً، ويعتز بهم أكثر مما يعتز ببني أسرته الأقربين.
 
إن المهم في القرابة والنسب ليس رابطة الدم في حد ذاتها، بل هو الاعتقاد بها والنشوء عليها. وهذا هو الواقع، بالنسبة للأفراد والجماعات على حدٍ سواء: إن الاعتقاد بوحدة الأصل – والشعور بالقرابة – يعمل عملاً هاماً في تكوين الأمم، سواء أكان ذلك موافقاً للحقيقة أو مخالفاً لها، لأن القرابة بين أفراد الأمم تكون قرابة نفسانية معنوية، أكثر مما تكون جسمانية ومادية.

الصفحات