عنوان الرواية هذا هو، بحدّ ذاته، رمز لمكان كان مضيئاً ثم أخذ يدب فيه الظلام. المكان: جامعة في العراق، والظلام ينتشر في بلد الحضارات ويمتد إلى موقع تدريسها.
أنت هنا
قراءة كتاب إذا الأيام أغسقت
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 1
المقدمة
بقلم: بلقيس شرارة
مدينة النجف، مدينة غريبة لا تشبه مدن العالم· ربما لا يوجد على شاكلتها إلا مدينة بناريس في الهند، التي تعيش وتحيا من الأموات·
فالنجف مدينتان، مدينة الموتى ومدينة الأحياء، ويتلاشى الفاصل بينهما أحيانا، ويصبح متشابكاً ومتلاحماً· فمدينة الموتى لا تخلو من الأحياء القادمين من مدينة الأحياء في النهار لاستمرار طقوس الدفن· إذ تأتي اليها جنائز الموتى من كل حَدَبٍ وصوبٍ في العالم الاسلامي، وتتعالى الأصوات التي يشوبها الألم والأسى على فقدان الأقرباء والأعزاء، وتضفي أشباح الموتى عليها جواً من الهلع المكبوت والسكينة القدرية·
ومدينة الأحياء لا تخلو من جنائز الموتى التي تقام لها الشعائر في جامع الامام علي ليل نهار، وتتقاطر الجنائز صفاً صفاً مرفوعة على أكتاف الأحياء في صحن الجامع بانتظار إقامة الصلاة عليها· فتماس الأحياء والموتى متواصل، حيث تمتزج صلاة الجنازة بأصوات الصبية وضجيجهم، يلعبون في زاوية صحن الجامع الواسع، وبأحاديث النسوة المتلفعات بعباءاتهن حول سماور الشاي· والجامع هو المنفذ والمتنفس الوحيد للصبية والنساء الهاربات من عزلة الدار القاتمة وأزقة المدينة الملتوية المظلمة التي لا ترى أشعة الشمس·
ومدينة الأحياء ملتفة بهالة أسطورية، فهي مطمح أنظار المسلمين من الشيعة، تعج أروقة جوامعها التاريخية بالطلبة القادمين من جنوب لبنان وإيران والهند لانتهال العلوم العربية والاسلامية، يستمعون اليها على شكل حلقات دراسية تحت إرشاد علمائها الدينيين·
وبالرغم من الجو الديني المرادف لمدينة النجف، هنالك جو آخر ازدهرت فيه نهضة ثقافية واسعة، إذ صدرت عدة صحف ومجلات كان لها دور مهم في الدعوة للاصلاح الاجتماعي، كـ الهاتف والحضارة والغري والبيان، وبرز فيها كتاب وشعراء أغنوا تراث العراق الأدبي مثل محمد مهدي الجواهري وعلي الشرقي وجعفر الخليلي وسعد صالح، ومن الجالية اللبنانية ظهر حسين مروة ومحمد شرارة·
في هذا الجو الغريب الذي يكتنف المدينة ولدت حياة عام 5391 في حي المدينة القديم·
مّرت والدتي بمعاناة شديدة، عندما ولدت حياة بعد بنتين، وجاء أهل النجف لتعزية والدي بولادة بنت ثالثة· كان أهل النجف يعتبرونها ثالثة الأثافي كناية عن المصائب، وانزعج والدي جداً من زيارات الناس وكلامهم، مما دعاه الى قضاء معظم وقته خارج الدار لتجنب رؤيتهم·
كانت نظرة المجتمع التقليدية للأنثى عندما ولدت حياة، نظرة غير محترمة، وغير مساوية للذكر· ولم تفتأ تلك المجتمعات تتدخل في الأمور الخاصة والشخصية للفرد كأن تدخلها حق مطلق من حقوقها· فتوالت الاقتراحات من كل جانب بتزويج والدي امرأة ثانية تلد له ولداً، وحُمّلت والدتي المسؤولية عن ولادة بنت ثالثة ولم تقع أية مسؤولية على الأب، للجهل المطبق بـ بايولوجية الأنجاب
وكتب والدنا، محمد شرارة، مقالة في الهاتف بعنوان سهيل ام خلاف آخر يدور حول هذا الموضوع، وذكرت حياة في رسالة لها عن ذلك عام1979:
يقول أن مريم استُقبلت بالبرود لأنها بنت رغم أنها أول طفل لدينا، أما بلقيس فلم تستقبل بالبرود رغم أنها الثانية وكان الأحرى ان يخلق ولادة طفلة ثانية مثل هذا الموقف· أما أنا فكنت هادئة صامتة في طبعي بعكس بلقيس كما لو كنت أعرف عدم الرغبة بمجيئي، وكانوا يسموني (ثالثة الأثافي)·