تصنف هذه الرحلة في عداد الرحلات الدبلوماسية، ومؤلفها صادق باشا المؤيد العظم شخصية عثمانية معروفة، قام برحلته إلى الحبشة في ربيع وصيف سنة 1896 موفداً من قبل السلطان عبد الحميد، ومعه رسالة إلى النجاشي منليك الثاني امبراطور الحبشة الذي استقبله في بلاطه بحفاوة
أنت هنا
قراءة كتاب رحلة الحبشة - من الأستانة إلى أديس أبابا
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
رحلة الحبشة - من الأستانة إلى أديس أبابا
الصفحة رقم: 8
VI
يتوقف الرحالة كثيراً عند معتقدات الأفارقة إزاء عالمهم وإزاء الآخر الأبيض الذي ولد قبل أوانه، فكان له هذا اللون الشاحب، لون ما قبل النضج !
ولو كان هناك جزء من هذه الرحلة بلا كبير قيمة، فهو ليس بلا طرافة، وأعني به ذكر اللائحة اليومية للأطعمة التي دأب الوفد على تناولها خلال سفره· وهنا لا بد أن نلاحظ أن الصيد لعب دوراً أساسياً في تزويد المسافرين بالطعام، وقد بلغ عددهم في بعض مراحل الرحلة الـ 04 نفراً·
ولعل في تلك المقارنات التي لم يتوقف الرحالة عن عقدها بين الظواهر والطبيعة والأعمال التي وقف عليها في الحبشة وما يشبهها في موطنه سوريا، أو في الآستانة، ما ينبهنا إلى المكونات الفكرية للكاتب، ويكشف عن مرجعياته الثقافية التي يستند إليها، فهو يفصح عن تفكير يمزج بين الأخذ بالعصرنة، والانتماء إلى الأصول الإسلامية لمثقف دمشقي ينتمي إلى النخبة العسكرية العثمانية المتطلعة إلى مجتمع عثماني جديد لا يفصل بين فكرة التحديث من جهة وثقافة الأهل من جهة ثانية·
وعندما نتطرق إلى ظروف الرحلة، فإن الخطر كان، باستمرار، محدقاً برحَّالتنا في الغابات والأدغال والجبال والوديان، وعند ضفاف الأنهار، لا سيما في الليل، حيث تنتشر الذئاب والأسود والفهود والضباع وغيرها من الحيوانات الكاسرة، وحيث يحتاج المسافر، كما يمكن للقارئ أن يلاحظ، إلى خبرة كبيرة بمخاطر السفر واحتمالاته في مثل تلك الأمكنة، إذا كان يريد أن يحتفظ بنفسه، ويحافظ على حياته من المفاجآت التي قد يشكلها ظهور أسد أو نمر أو تمساح، فكانت نيران معسكر رحالتنا في الليل عالية إلى الحد الذي يجعل سباع البر تتردّد في الاقتراب منه·
وإذ يصف العظم استقبال الإمبراطور له في القصر الإمبراطوري، فإنه يعدد الهدايا التي سلمها للنجاشي منليك والهدايا التي تسلمها منه، ويصف الإمبراطور والإمبراطورة، وتاريخ تأسيس الإمبراطورية الجديدة في الحبشة انطلاقاً من الإجماع الذي وقع على النجاشي منليك من قبل الأحباش جميعاً أثر مصرع الإمبراطور السابق يوحانس في واقعة حربية مشهورة في أدووا·
وفي هذا المعرض يصف الرحالة في نصّه دور الإمبراطورة القوية تيتوفي نهضة بلادها، وفي السياستين الداخلية والخارجية للبلاد، ويؤكد على موقفها الحازم من الاستعمار الإيطالي ومحاولاته الهيمنة على مقدّرات البلاد وعلاقاتها الخارجية، ويشيد بدورها الوطني المؤثر في تكريس استقلال سياسة بلادها·
ويفرد المؤلف الصفحات الأخيرة من رحلته لوصف المواقع الحربية العديدة التي دارت بين الأحباش والإيطاليين، من دون أن تخفي موضوعيّته في العرض إعجابه الكبير ببسالة المقاتلين الوطنيين، ونباهة قادتهم العسكريين· ويورد معلومات تفصيلية دقيقة بالأرقام عن عتاد الجيش الحبشي وعدته وعديده، ما يكشف عن سعة اطلاع هذا الضابط الكبير وخبرته العسكرية·
أخيراً، فإن قارىء هذا الكتاب ليستغرب غزارة المعلومات التي يوردها المؤلف عن البلاد والأشخاص والوقائع، حتى ليظن الواحد منا أنه قضى أيامه في الحبشة لا يفعل شيئاً سوى جمع المعلومات وتدوين الأخبار، وتسجيل الملاحظات والمشاهدات، فهو ما أن يورد اسم علم حتى يأتيك بأخباره ويصف منزلته، ويُعرِّف به أحسن تعريف فيكاد هذا يشخص أمامك·
نوري الجرّاح
أبوظبي في 31/3/2001