المجموعة القصصية "منعطفات خطرة"، للكاتبة والفنانة التشكيلية الأردنية بسمة النمري، الصادرة عام 2002 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، نقرأ من أجوائها:
أنت هنا
قراءة كتاب منعطفات خطرة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
منعطفات خطرة
الصفحة رقم: 1
أغنية العذاب
وحيدة وحيدة ·· ودائماً وحيدة
في الصيف والشتاء·· تحت الشمس والمطر
في الصبح في المساء·· وفي هدأة السحر
وحيدة وحيدة ·· ودائماً وحيدة
بهذه الكلمات كانت المرأة الغريبة تترنّم كل يوم وهي تهز الأرجوحة المعلّقة بغصن شجرة هرمة بفناء منزلها·
من بعيد، كان الصبيّ يرقبها ولا يفهم لماذا تهز الأرجوحة الخالية، يحاول جاهداً أن تلتقط مسامعه كلمات أغنيتها الحزينة، لكن الريح إذْ كانت تهبُّ بعكس اتجاهه كانت تغيِّب بعض المقاطع بين طيَّاتها وتحملها بعيداً عنه وتُغرق لحنها الباكي في حفيف أوراق الأشجار وخشخشة الحشائش الجافة حوله· ويبقى الصبيُّ في موقعه ساكناً منتظراً هدأة الريح كي يُعاود المحاولة من جديد·
كان ينطلق كل يوم إلى التلِّ المطلِّ على منزلها، يكمن بين الأغصان في موضع يمكِّنه من رؤيتها وسماع صوتها بوضوح من غير أن تلحظ وجوده، وتمضي عليه ساعات وهو في مكمنه هذا يفكر في أمر المرأة الغريبة·
لا أحد يعرف عنها سوى القليل، تعيش وحيدة في منزلها القديم، وتعمل في حقلها المجاور له، سكنت في المنطقة قبل الجميع، فمذ جاءوا وهي على تلك الحال، لا تختلط بأحد ولا تحادث أيّاً كان، حتى اسمها ما كانوا يعرفونه، لذا لقّبوها بالمرأة الغريبة·
صوت ارتطام قويّ نبَّه الصبي من شروده، تعثرت المرأة بدلو الماء أمامها فوقعت، انتظر أن تنهض من جديد، لكنها ظلت منكفئة على وجهها، دون وعي منه انطلق هابطاً التل لمساعدتها، دعيني أعينك يا خالة، اتكئي عليّ، رفعت وجهها ونظرت إليه طويلاً، كأنها نسيت ملامح البشر كيف تكون، ابتسمت له بحنان وأعطته يدها، ساعدها على الجلوس، سألها إن كانت تحتاج إلى شيء آخر، لم تجبه، قفل عائداً، قبل أن يبتعد سألته :
ــ كم عمرك؟